الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اعتراض وجواب.
قالوا: إن الفرض مسحه على الناصية، وأما مسحه على العمامة فمن أجل سنة الاستيعاب، ولو ترك المسح على العمامة أجزأه، أما لو اقتصر بالمسح على العمامة، ولم يمسح شيئاً من رأسه لم يجزه.
وأجيب:
بأنه ثبت المسح على العمامة دون ذكر الناصية، كما سيأتي، ولم يثبت العكس، فلم يثبت أنه اقتصر في مسحه على الناصية دون العمامة.
قال ابن القيم: " لم يصح عنه في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض رأسه البتة، ولكن كان إذا مسح بناصيته كمل على العمامة" ثم قال: " وأما اقتصاره على الناصية مجردة فلم يحفظ عنه "
(1)
.
فإذا ثبت أنه اقتصر على العمامة في المسح، ولم يثبت أنه اقتصر على الناصية وحدها، كيف تجعل الناصية هي الفرض، والمسح على العمامة مجرد سنة، والعادة أن البعض تبع للكل، وليس الكل تبعاً للبعض فالحكم دائماً للأغلب، والقليل يتبع الكثير، والعمامة لا شك أنها أغلب الرأس، فهي الأصل.
الدليل الثاني:
(145)
ما رواه البخاري، قال: حدثنا عبدان، قال: أخبرنا عبد الله، قال: أخبرنا الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن جعفر بن عمرو بن أمية،
(1)
زاد المعاد (1/ 193).
عن أبيه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على عمامته، وخفيه.
قال البخاري: وتابعه معمر، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن عمرو قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
.
(1)
صحيح البخاري (205).
وقول البخاري: تابعه معمر: أي تابع الأوزاعي في المتن لا في الإسناد، قال الحافظ: وهذا هو السبب في سياق المصنف الإسناد ثانياً ليبين أنه ليس في رواية معمر ذكر جعفر" اهـ كلام الحافظ. وأما تخريج الحديث، فالحديث مداره على يحيى بن كثير، عن أبي سلمة، عن جعفر بن عمرو بن أمية، عن أبيه به، وله طرق إلى يحيى:
منها طريق الأوزاعي، أخرجه أحمد (4/ 139) ثنا محمد بن مصعب، قال: ثنا الأوزاعي، به. ومحمد بن مصعب صدوق كثير الغلط، لكنه قد توبع.
وأخرجه ابن ماجه (562) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن مصعب به.
وأخرجه أحمد أيضاً (4/ 179،288) ثنا أبو المغيرة، ثنا الأوزاعي به.
وأبو المغيرة ثقة، واسمه: عبد القدوس بن حجاج الخولاني من رجال الجماعة.
وأخرجه الدارمي (710) أخبرنا أبو المغيرة ثنا الأوزاعي به. قيل للدارمي: تأخذ به؟ قال: إي والله.
وأخرجه البيهقي (1/ 270،271) من طريق بشر بن بكر، ومن طريق أبي المغيرة، ومن طريق عبد الله بن المبارك، ثلاثتهم عن الأوزاعي به.
وأخرجه ابن خزيمة (181) من طريق عبد الله بن داود، عن الأوزاعي به.
وأخرجه ابن ماجه (562) ثنا دحيم (عبد الرحمن بن إبراهيم) ومن طريق دحيم أخرجه ابن حبان (1343)، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي به.
واختلف على يحيى بن أبي كثير، فرواه عنه الأوزاعي بذكر المسح على العمامة والخفين، ورواه جماعة عن يحيى، ولم يذكروا العمامة، وإليك ذكرهم:
الأول: شيبان، كما عند البخاري (204) قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= شيبان، عن يحيى - يعني: ابن أبي كثير - به، بلفظ: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين.
ورواه ابن أبي شيبة (1/ 163) حدثنا معاوية بن هشام، عن شيبان به.
وأخرجه أحمد (4/ 139) حدثنا حسن بن موسى وحسين بن محمد، قالا: حدثنا شيبان به.
الثاني: حرب بن شداد، وهو ثقة، روى له الشيخان وغيرهما.
وأخرجه أبو داود الطيالسي (1254) حدثنا حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير به، بلفظ: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين.
وأخرجه النسائي (119) أخبرنا العباس بن عبد العظيم، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا حرب بن شداد به.
الثالث: أبان بن يزيد العطار، وهو ثقة، قال فيه أحمد: ثبت في كل المشايخ.
أخرج روايته أحمد (4/ 179) ثنا يونس، حدثنا أبان، عن يحيى بن أبي كثير به، بلفظ: أنه أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين.
الرابع: علي بن المبارك، وهو ثقة، من رجال الجماعة.
أخرج روايته أحمد (4/ 139) ثنا أبو عامر، ثنا علي - يعني: ابن المبارك - عن يحيى به.
الخامس: معمر عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عمرو بن أمية، فأسقط جعفر بن عمرو، ولم يختلف على معمر في إسناده بإسقاط جعفر، لكن رواه تارة بذكر العمامة، فيكون بهذا متابعاً للأوزاعي، ورواه مرة بذكر الخفين فقط، موافقاً لرواية الجماعة. وهذا تفصيلها:
فقد رواه عبد الرزاق (746)، ومن طريقه أحمد (4/ 179) والبيهقي (1/ 271) عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عمرو بن أمية الضمري قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه. اهـ وليس فيه ذكر العمامة.
قال الحافظ في الفتح في شرحه لحديث (205): " وأخرجها ابن مندة في كتاب الطهارة من طريق معمر بإثباتها - أي بإثبات المسح على العمامة - أما إسقاطه لجعفر بن عمرو، فقال الحافظ في الفتح أيضاً: سماع أبي سلمة من عمرو ممكن، فإنه مات بالمدينة سنة =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= 60، وأبو سلمة مدني، لم يوصف بالتدليس، وقد سمع من خلق ماتوا قبل عمرو، وقد روى بكير بن الأشج، عن أبي سلمة، أنه أرسل إلى جعفر بن عمرو بن أميه عن هذا الحديث، فرجع إليه، فأخبره به، فلا مانع أن يكون أبو سلمة اجتمع بعمرو بعد، فسمعه منه، ويقويه توفر دواعيهم على الاجتماع بالمسجد النبوي " اهـ.
قلت: وقد توبع معمر بإسقاط جعفر بن عمرو، فقد رواه ابن حزم في المحلى (1/ 303) من طريق عبد الله بن أحمد، حدثني الحكم بن موسى، ثنا بشر بن إسماعيل، عن الأوزاعي، حدثني يحيى بن أبي كثير، حدثني أبو سلمة، حدثني عمرو بن أمية. قال ابن حزم: أبو سلمة سمعه من عمرو بن أمية سماعاً، وسمعه أيضاً من جعفر ابنه عنه " اهـ.
قلت: وتصريح أبي سلمة بالسماع من عمرو يبعد احتمال تدليسه، مع أنه لم يرم بالتدليس، وقد تفرد بشر بن إسماعيل، عن الأوزاعي بإسقاط جعفر بن عمرو، وكل من رواه عن الأوزاعي لم يسقطوه، وقد سبق أن ذكرت منهم ستة حفاظ، ولم أعرف من هو بشر بن إسماعيل، فإن كان هو ابن علية، فإنه مجهول، له ترجمة في الجرح والتعديل (2/ 352)، ولسان الميزان (2/ 20). ولم يذكر له الحافظ شيخاً سوى أبيه، فلا يغني التصريح بالسماع إذا كان الحال كذلك، والله أعلم.
وأما زيادة الأوزاعي المسح على العمامة، فالبخاري قبلها في صحيحه، معتبرها زيادة ثقة، ونقل الحافظ في الفتح (205) عن الأصيلي، فيما حكاه ابن بطال عنه، فقال: " ذكر العمامة في هذا الحديث من خطأ الأوزاعي؛ لأن شيبان وغيره رووه عن يحيى بدونها، فوجب تغليب رواية الجماعة على الواحدة، قال: وأما متابعة معمر فليس فيها ذكر العمامة، وهي أيضاً مرسلة؛ لأن أبا سلمة لم يسمع من عمرو
…
" اهـ كلامه.
قلت: أما سماع أبي سلمة من عمرو، فقد سبق الجواب عنه. وأما الجواب عن زيادة الأوزاعي بذكر العمامة، فقال الحافظ:" قد ذكرنا أن ابن مندة أخرجه من طريق معمر بإثبات العمامة فيه، وعلى تقدير تفرد الأوزاعي بذكرها لا يستلزم ذلك تخطئته؛ لأنها تكون زيادة من ثقة حافظ، غير منافية لرواية رفقته، فتقبل، ولا تكون شاذة، ولا معنى لرد الروايات الصحيحة بهذه التعليلات الواهية " اهـ.
قلت: كلام الأصيلي ليس تعليلاً واهياً، بل هو موافق لمقتضى القواعد الحديثية، =