الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل التاسع
حكم مسح من به حدث دائم
الفصل التاسع
حكم مسح من به حدث دائم
اختلف العلماء في من كان حدثه دائماً كالمستحاضة، ومن به سلس بول، ونحوهما:
فقيل: إذا لبس الخفين بعد طهارتهما، وقبل أن يسيل منها شيء، مسح كغيره، وإن توضأ، والحدث قائم، أو أحدث بعد الوضوء، وقبل اللبس مسح ما دام الوقت باقياً، ولم يكن له أن يمسح بعد خروج الوقت، وهذا مذهب الحنفية
(1)
.
وقيل: المستحاضة ومن به حدث دائم كغيرهما له أن يمسح على خفيه، وهو المشهور من مذهب المالكية
(2)
، والحنابلة
(3)
.
وقيل: إن لبس الخف بعد وضوئه، فإن أحدث بغير حدثه الدائم وقبل أن يصلي به فريضة، مسح وصلى به فريضة واحدة، وما شاء من النوافل، وإن كان حدثه بعد صلاته تلك الفريضة، مسح لما شاء من النوافل، ولا يمسح به لصلاة أي فريضة. وهو مذهب الشافعية
(4)
.
(1)
المبسوط (1/ 105)، شرح فتح القدير (1/ 148)، حاشية ابن عابدين (1/ 453).
(2)
المدونة (1/ 144)، الخرشي (1/ 177)، مواهب الجليل (1/ 318)،حاشية الدسوقي (1/ 141).
(3)
شرح الزركشي (1/ 383)، الإنصاف (1/ 169)، الفروع (1/ 168)، كشاف القناع (1/ 114).
(4)
المجموع (1/ 543،544)، روضة الطالبين (1/ 125)، الحاوي الكبير (1/ 368)، مغني المحتاج (1/ 64).
وقيل: لا يمسح مطلقاً من به حدث دائم، وهو وجه في مذهب الشافعية
(1)
والحنابلة
(2)
.
وسبب اختلافهم خلافهم في طهارة المستحاضة، ومن به حدث دائم مقيس عليها.
(52)
فقد روى البخاري رحمه الله، قال: حدثنا محمد، قال: ثنا أبو معاوية، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت:
جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا؛ إنما ذلك عرق، وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي".
قال: وقال أبي: ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت
(3)
.
[زيادة قال هشام قال أبي الراجح أنها موقوفة على عروة، ورفعها غير محفوظ]
(4)
.
(1)
المجموع (1/ 543،544).
(2)
الإنصاف (1/ 169)، الفروع (1/ 168).
(3)
صحيح البخاري (228).
(4)
سبب اختلاف العلماء في دم الاستحاضة، هل هو حدث أم لا؟ اختلافهم في قول هشام:" وقال أبي: ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت " هل هذه الزيادة موقوفة أو مرفوعة؟ وهل هي متصلة أو معلقة؟ وعلى تقدير كونها مرفوعة، هل هي محفوظة أو شاذة؟
فالحديث مداره على هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.
ورواه عن هشام جمع كثير على اختلاف يسير في متنه، وبعضهم يذكر هذه الزيادة وبعضهم لا يذكرها. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقد جاءت الزيادة بالوضوء من طريق أبي معاوية عن هشام به.
واختلف على أبي معاوية فيه، فروى بعضهم الحديث عن أبي معاوية دون ذكر الزيادة، وبعضم رواه عن أبي معاوية مصرحاً برفعها، وبعضهم روى الزيادة عن أبي معاوية موقوفة على عروة.
وممن روى الزيادة أبو حمزة السكري، واختلف عليه أيضاً:
فروي عنه مرفوعاً، وروى عنه مرسلاً.
وروى الزيادة أيضاً حماد بن زيد، وحماد بن سلمة عن هشام، إلا أنهما ذكرا الوضوء ولم ينصا على التكرار لكل صلاة بل قال:" فاغسلي عنك الدم وتوضئي وصلي " فكما أن الاغتسال يكفي فيه الامتثال مرة واحدة، ولا يطلب تكراره عند كل وقت صلاة، فكذلك الوضوء بحسب لفظ الحمادين، على أن حماد بن سلمة قد روى عنه عفان، وهو من أثبت أصحابه ولم يذكر عنه الوضوء.
وممن روى الزيادة أيضاً أبو عوانة (الوضاح بن عبد الله اليشكري) وأبو حنيفة واختلف عليهما فيه كما سيأتي.
هؤلاء هم الذين انفردوا بذكر الزيادة على الخلاف السابق، وخالفهم جمع كثير، وفيهم من هو أحفظ منهم، فقد روى الحديث عن هشام ستة عشر حافظاً ولم يذكروها، منهم مالك، ووكيع، ويحيى بن سعيد القطان، وزهير، وسفيان بن عيينة، وأبو أسامة، والليث ابن سعد، وعمرو بن الحارث، وعبدة، ومحمد بن كناسة، ومعمر، وجعفر بن عون، والداروردي، وعبد الله بن نمير، وسعيد بن عبد الرحمن. هذا بعض من وقفت عليه ممن رواه عن هشام ولم يذكر الزيادة، فلو كان من ذكر هذه الزيادة لم يضطرب فيها لكانت شاذة، لأن الحكم عند أهل الحديث للأحفظ، وللأكثر عدداً على من دونهم، كما فصلت ذلك في بحث زيادة الثقة.
وقد حكم بضعف هذه الزيادة الإمام مسلم والنسائي والبيهقي، وأبو داود كما سيأتي، وضعفه ابن رجب في شرحه لصحيح البخاري قال (2/ 72): والصواب أن لفظة الوضوء مدرجة في الحديث من قول عروة: فقد روى مالك، عن هشام، عن أبيه أنه قال: ليس على المستحاضة إلا أن تغتسل غسلاً واحداً، ثم تتوضأ بعد ذلك لكل صلاة " اهـ كلام ابن رجب. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فهنا فصل مالك الحديث المرفوع من الموقوف في روايته عن هشام، فحين روى المرفوع لم يورد قال هشام: قال أبي ثم توضئي لكل صلاة، وحين روى الموقوف لم يذكر المرفوع، والله أعلم. هذا الكلام المجمل حول الحديث، وأما تفصيله فإليك هو:
فالحديث كما ذكرت سابقاً مداره على هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وله طرق كثيرة إلى هشام.
الأول: أبو معاوية عن هشام.
وقد سقت لفظه في الباب، وقد أخرجه البخاري (228): حدثنا محمد - يعني ابن سلام - حدثنا أبو معاوية، حدثنا هشام بن عروة به.
وقال في آخره: قال - يعني هشاماً - قال أبي: " ثم توضئي لكل صلاة ".
ورواه الترمذي (125): حدثنا هناد، حدثنا أبو معاوية، عن هشام به، قال أبو معاوية في حديثه:" وقال توضئي لكل صلاة حتى يجيىء ذلك الوقت ".
وأخرجه مسلم (333): حدثنا يحيى، أخبرنا أبو معاوية، عن هشام به، ولم يذكر الأمر بالوضوء.
وأخرجه النسائي (359): أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا أبو معاوية به، بدون ذكر الزيادة.
وأخرجه الدارقطني (1/ 206) من طريق يعقوب بن إبراهيم، نا أبو معاوية به، وفيه:"فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم اغتسلي " فخالف الجماعة فإن لفظهم " فاغسلي عنك الدم وصلي ".
فصار الحديث يرويه يحيى بن يحيى كما عند مسلم، وإسحاق بن إبراهيم كما عند النسائي، ويعقوب بن إبراهيم كما عند الدارقطني، ثلاثتهم عن أبي معاوية دون ذكر الوضوء لكل صلاة.
ورواه هناد عن أبي معاوية كما في رواية الترمذي، وهي صريحة بالرفع.
ورواه البخاري عن محمد بن سلام عن أبي معاوية بذكر الزيادة موقوفة على عروة بسند ظاهره التعليق؛ لأنه قال بعد ذكر الحديث، وقال هشام قال أبي، ويحتمل أنه موصول بالإسناد نفسه. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وكذلك رواه إسماعيل بن قتيبة، عن يحيى بن يحيى، عن أبي معاوية عند البيهقي (1/ 344)، قال هشام: قال أبي: " ثم توضئي لكل صلاة ".
وإسماعيل بن قتيبة ثقة له ترجمة في السير (13/ 344).
واختلف العلماء في هذه الزيادة، هل هي معلقة أم لا؟ وهل هي موقوفة أو مرفوعة؟
قال البيهقي في السنن (1/ 327): وفيه زيادة الوضوء لكل صلاة، وليست بمحفوظة.
وقال أيضاً (1/ 344): " والصحيح أن هذه الكلمة من قول عروة بن الزبير.
وقال الزيلعي في نصب الراية (1/ 201): " وهذه اللفظة - أعني: توضئي لكل صلاة- هي معلقة عند البخاري، عن عروة في صحيحه "، ثم قال:" وقد جعل ابن القطان في كتابه مثل هذا تعليقاً " اهـ.
قلت: ذكر مسلم أنه ترك تخريجها في كتابه من طريق حماد، عن هشام، وكذلك أشار النسائي إلى أنها غير محفوظة، وسوف يأتي نقل كلامه عند الحديث على زيادة حماد.
وقال بعضهم: إنها مرفوعة.
قال الحافظ في الفتح (1/ 441) ح 228 وادعى بعضهم أن هذا معلق، وليس بصواب، بل هو بالإسناد المذكور، عن محمد، عن أبي معاوية، عن هشام، وقد بين ذلك الترمذي، وادعى آخر أن قوله:" ثم توضئي " من كلام عروة موقوفاً عليه، وفيه نظر؛ لأنه لو كان من كلام عروة لقال:" ثم تتوضأ " بصيغة الإخبار، فلما أتى بصيغة الأمر شاكله الأمر الذي في المرفوع وهو قوله:"فاغسلي " اهـ.
قلت: ظاهر نقل البخاري أنها موقوفة عليه، خاصة أن هشاماً لايروي الحديث إلا عن أبيه، ولا يشاركه شيخ آخر، فلماذا إذاً قال، قال هشام: قال أبي، ولو أن هشاماً يروي الحديث عن أكثر من شيخ لأمكن أن يقال: إن هشاماً أراد أن يفصل زيادة أبيه عن لفظ مشايخه الآخرين، فلما لم يكن له شيخ إلا أبوه، علمنا أن هشاماً أضاف إلى أبيه هذا الكلام، ولم يقصد رفعها، وكون هذه الكلمة جاءت صريحة في رواية الترمذي فهذا من الاختلاف على أبي معاوية، ويرجح كونها موقوفة أيضاً أن الإمام مالك رحمه الله روى الحديث عن هشام فذكر المرفوع، ولم يذكر الزيادة، وروى الزيادة عن هشام موقوفاً على عروة دون ذكر المرفوع، ففصل المرفوع عن الموقوف كما روى الحديث ابن أبي شيبة (1/ 119) عن أبي =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= معاوية عن هشام عن عروة قال: " المستحاضة تغتسل وتتوضأ لكل صلاة" موقوفاً عليه.
كما رواه ابن أبي شيبة (1/ 119) عن حفص عن هشام به قرنه بأبي معاوية موقوفاً على عروة
فصار الحديث عن أبي معاوية، تارة يروى بدون زيادة الوضوء.
وتارة تروى عنه صريحة بالرفع.
وتارة تروى عنه موقوفة على عروة.
وهل السند معلق أو موصول ظاهره التعليق، وإن كنت أميل إلى أنه موصول بالإسناد نفسه، إلا أن الأمر بالوضوء لكل صلاة موقوف على عروة.
وأبو معاوية قد قال فيه أحمد: في غير حديث الأعمش مضطرب لايحفظها جيداً.
وقال أبو داود: قلت لأحمد: كيف حديث أبي معاوية عن هشام؟ قال: فيها أحاديث مضطربة، يرفع منها أحاديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي التقريب: ثقة، أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يهم في حديث غيره.
وقد جاءت الزيادة في غير طريق أبي معاوية كما في الطريق الآتي:
الطريق الثاني:
أبو حمزة، محمد بن ميمون السكري، عن هشام به.
فقد تابع أبو حمزة أبا معاوية بذكر الزيادة بالأمر بالوضوء لكل صلاة، لكن قد اختلف عليه فيه.
فرواه ابن حبان (1354) من طريق علي بن الحسن بن شقيق، أخبرنا أبو حمزة عن هشام بن عروة به، وفيه:" فإذا أقبل الحيض فدعي الصلاة عدد أيامك التي كنت تحيضين فيها، فإذا أدبرت فاغتسلي وتوضئي لكل صلاة ".
لكن رواه البيهقي (1/ 544) من طريق عبد الله بن عثمان، ثنا أبو حمزة، قال: سمعت هشاماً يحدث عن أبيه، أن فاطمة بنت أبي حبيش، قالت: " يا رسول الله: إني أستحاض فلا أطهر
…
" الحديث، وقال فيه: " فاغتسلي عند طهرك وتوضئي لكل صلاة ". فصار الحديث يروى عن أبي حمزة تارة مرسلاً، وتارة موصولاً.
وجاءت الزيادة من طريق الحمادين كما في الطريق التالي. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الطريق الثالث والرابع:
حماد بن سلمة، وحماد بن زيد عن هشام به.
فقد جاء ذكر الزيادة أيضاً من طريق حماد بن سلمة عن هشام، إلا أنه لم يأمرها بالوضوء لكل صلاة، بل أمرها بالوضوء عقب غسل الدم، فكما ذكرت سابقاً: أن غسل الدم يكفي في الامتثال مرة واحدة عند إدبار الحيضة، ولا يطلب تكراره عند كل وقت صلاة، فكذلك الوضوء بحسب لفظ حماد بن سلمة.
فقد أخرج الحديث الدارمي (779): أخبرنا حجاج بن منهال، ثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش قالت: يا رسول الله، إني امرأة استحاض فلا أطهر، أفأترك الصلاة؟ قال: لا؛ إنما ذلك عرق، وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وتوضئي وصلي ".
قال هشام: فكان أبي يقوله: تغتسل غسل الأول، ثم ما يكون بعد ذلك فإنها تطهر وتصلي.
قلت: في هذا الحديث دليل ظاهر على أن هشام يتبع الحديث المرفوع بكلام لأبيه موقوفاً عليه، فلا يبعد أن يكون بعض الرواة أدرج الموقوف في المرفوع، كما ذكر ابن رجب ونقلت كلامه سابقاً.
وقد اختلف على حماد بن سلمة:
فرواه حجاج بن منهال، عن حماد، عن هشام به، كما سبق بذكر الزيادة.
ورواه ابن عبد البر في التمهيد كما في فتح البر (3/ 512) من طريق عفان، عن حماد بن سلمة به، وليس فيه " وتوضئي " وعفان من أثبت أصحاب حماد بن سلمة، فهو مقدم على غيره.
ولم ينفرد حماد بن سلمة بلفظ: " وتوضئي " دون قوله: " عند كل صلاة " بل تابعه على هذا حماد بن زيد، فقد أخرجه النسائي (364) أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي، عن حماد، عن هشام به، وفيه " فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم، وتوضئي وصلي؛ فإنما ذلك عرق، وليست بالحيضة. قيل له: فالغسل؟ قال: وذلك لا يشك فيه ".
قال أبو عبد الرحمن (النسائي): وقد روى هذا الحديث غير واحد عن هشام بن عروة =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ولم يذكر فيه " وتوضئي " غير حماد، والله تعالى أعلم.
وأخرجه مسلم (233): حدثنا خلف بن هشام، حدثنا حماد بن زيد، عن هشام بن عروة به ثم قال مسلم: وفي حديث حماد بن زيد زيادة حرف تركنا ذكره. اهـ.
يشير إلى زيادة الأمر بالوضوء، ولعله تركها للخلاف فيها. قال البيهقي في السنن (1/ 344): وكأنه ـ يعني مسلماً ـ ضعفه لمخالفته سائر الرواة عن هشام. اهـ
فهذا حماد بن سلمة، وحماد بن زيد روياه بلفظ:" فاغسلي عنك الدم، وتوضئي وصلي "، ولم يقل:" عند كل صلاة ". وهذا وجه من المخالفة.
الطريق الخامس:
أبو عوانة عن هشام به.
أخرجه ابن حبان (1355) بلفظ: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المستحاضة فقال: تدع الصلاة أيامها، ثم تغتسل غسلاً واحداً، ثم تتوضأ عند كل صلاة "، فيظهر أنه روى الحديث بالمعنى فاختصره.
الطريق السادس:
عن أبي حنيفة عن هشام به.
رواه أبو نعيم الفضل بن دكين، عن أبي حنيفة، واختلف على أبي نعيم به.
فرواه الطحاوي (1/ 102) عن فهد بن سليمان، قال: حدثنا أبو نعيم، حدثنا أبوحنيفة رحمه الله، عن هشام به، بذكر الوضوء لكل صلاة.
وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد كما في فتح البر (3/ 510،511) من طريق محمد بن الحسين بن سماعه، قال: حدثنا أبو نعيم به، ولم يذكر زيادة الوضوء لكل صلاة.
وقد ذكرت الزيادة أيضاً عن كل من:
1 ـ يحيى بن سليم. أخرجها السراج كما في فتح الباري (306)، والدارقطني معلقاً في العلل (5ـ ورقة 32).
2 ـ الحجاج بن أرطاة. أخرجها الطبراني في الكبير (24/ 361) ح 361، 897.
3 ـ ومحمد بن عجلان. البيهقي (1/ 344). وعلقه الدارقطني في العلل (5 - ورقة 32). ثلاثتهم عن هشام به بنحوه. وهذه ضعيفة، بل هي أشد ضعفاً.
هذا ما وقفت عليه ممن ذكر الزيادة، ولا يخلو أحد من الرواة ممن ذكر هذه الزيادة إلا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقد خالف واختلف عليه فيها، فأبو معاوية تارة يذكرها، وتارة لايذكرها، وتارة مرفوعة، وتارة موقوفة.
وأبو حمزة السكري، تارة يروي الحديث مرسلاً، وتارة موصولاً.
وأما الحمادان فقد خالفا غيرهما بذكر الأمر بالوضوء، ولم يذكرا بأنه عند كل
صلاة، على أن حماد بن سلمة قد روى عنه عفان وهو من أثبت أصحابه ولم يذكر عنه
هذه الزيادة، وكذا أبوحنيفة تارة يذكرها، وتارة لايذكرها، والذي لم يختلف عليه هو
أبو عوانة فقد ذكرها، وقد روى الحديث بالمعنى، وهو ثقة إلا أن مخالفته لاتحتمل،
فقد روى الحديث عن هشام أئمة ثقات أعلى قدراً، وأكثر عدداً فلم يذكروا هذه الزيادة وإليك هم:
الأول: إمام دار الهجرة مالك بن أنس.
أخرجه في الموطأ (1/ 61)، ومن طريق مالك أخرجه البخاري (306)، والنسائي (366)، وأبو عوانة (1/ 319)، والدارقطني (1/ 206)، وابن حبان (1350)، والبيهقي (1/ 329،321)، والبغوي (324).
الثاني: وكيع.
أخرجه أحمد (6/ 194)، ومسلم (332)، والترمذي (125)، والنسائي (359)، وابن ماجه (621).
الثالث: زهير.
أخرجه البخاري (331)، وأبو داود (282).
الرابع: يحيى بن سعيد القطان.
عند أحمد (6/ 194)، والدارقطني (1/ 206).
الخامس: جعفر بن عون، عند الدارمي (774)، وأبو عوانة في مسنده (1/ 319)، وابن الجارود في المنتقى (112).
السادس: معمر عند عبد الرزاق في المصنف (1165).
السابع: عبد العزيز بن محمد عند مسلم (333).
الثامن والتاسع: جرير، وابن نمير عند مسلم (333). =
وعليه فالمالكية لا يعتبر خروج دم الاستحاضة حدثاً ناقضاً للوضوء، بل يستحب منه الوضوء ولا يجب. لأنه معفو عنه، خارج من غير إرادتها، فخروجه ليس من فعلها
(1)
، وهو الراجح.
= العاشر: عبدة عند الترمذي (125)، والنسائي (359).
الحادي عشر: سفيان بن عيينة.
عند البخاري (320)، والحميدي (193)، والبيهقي (1/ 327).
الثاني عشر: أبو أسامة عند البخاري (325)، والبيهقي (1/ 324).
الثالث عشر: محمد بن كناسة كما عند البيهقي (1/ 324).
الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر: سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، والليث ابن سعد، وعمرو بن الحارث كما عند أبي عوانة (1/ 319)، والطحاوي (1/ 102،103)، فهؤلاء ستة عشر حافظاً رووا الحديث عن هشام ولم يذكروا زيادة الوضوء لكل صلاة، وهو المحفوظ فيما أرى. والله أعلم.
وأما تحرير بعض ألفاظ الحديث والاختلاف بينهم:
فبعضهم يقول: " وإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي ".
وبعضهم يقول: " وإذا أدبرت ".
وبعضهم يقول: " فاغتسلي وصلي "، فقد خرجت هذه الألفاظ في بحث المستحاضة المعتادة المميزة من كتابي الحيض والنفاس رواية ودراية، وبينت الراجح منها، فارجع إليه غير مأمور.
(1)
قال صاحب مواهب الجليل (1/ 291): " طريقة العراقيين من أصحابنا، أن ما خرج على وجه السلس لا ينقض الوضوء مطلقاً وإنما يستحب منه الوضوء ". ثم قال:
" والمشهور من المذهب طريقة المغاربة أن السلس على أربعة أقسام:
الأول: أن يلازم، ولا يفارق، فلايجب الوضوء، ولا يستحب؛ إذ لا فائدة فيه فلا ينتقض وضوء صاحبه إلا بالبول المعتاد.
الثاني: أن تكون ملازمته أكثر من مفارقته، فيستحب الوضوء إلا أن يشق ذلك عليه =
وأما الحنفية
(1)
والحنابلة
(2)
فيرون وجوب الوضوء لوقت كل صلاة، فحملوا قوله:" وتوضئي لكل صلاة " أي لوقت كل صلاة.
وأما الشافعية فحملوا قوله: " وتوضئي لكل صلاة " أي لكل فريضة مؤداة أو مقضية، وأما النوافل فتصلي ما شاءت
(3)
.
وأما ابن حزم فأوجب الوضوء لكل صلاة، فرضاً كانت أو نفلاً، خرج الوقت أو لم يخرج
(4)
.
وليس هذا موضع بسط هذه المسألة، وقد بسطت أدلتها في كتابي
= لبرد أو ضرورة فلا يستحب.
الثالث: أن يتساوى إتيانه ومفارقته، ففي وجوب الوضوء واستحبابه قولان "
ثم قال:
والرابع: " أن تكون مفارقته أكثر، فالمشهور وجوب الوضوء خلافاً للعراقيين فإنه عندهم مستحب " اهـ.
وانظر حاشية الدسوقي (1/ 116) وانظر بهامش الصفحة التاج والإكليل.
وانظر الخرشي (1/ 152)، فتح البر في ترتيب التمهيد (3/ 508)، الاستذكار (3/ 225 - 226) القوانين الفقهية لابن جزي (ص29).
(1)
الاختيار لتعليل المختار (3/ 508) حاشية ابن عابدين (1/ 504) البحر الرائق (1/ 226) مراقي الفلاح (ص60) شرح فتح القدير (1/ 181) تبيين الحقائق (1/ 64) بدائع الصنائع (1/ 28).
(2)
المغني (1/ 421) شرح منتهى الإرادات (1/ 120) كشاف القناع (1/ 215) الإنصاف (1/ 377) الفروع (1/ 279) شرح الزركشي (1/ 437).
(3)
المجموع (1/ 543، 363)، مغني المحتاج (1/ 111)، روضة الطالبين (1/ 147، 125).
(4)
المحلى (مسألة: 168).