الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الثامن:
قالوا: يشرع المسح على الجبيرة قياساً على العمامة والخفين؛ لأن هذا العضو ستر بما يسوغ شرعاً، فجاز المسح عليه كالخفين والعمامة.
وأجيب:
بأن هناك فرقاً بين الجبيرة والخفين، فلا يصح القياس، فمن ذلك:
أن المسح على الجبيرة واجب، والمسح على الخفين جائز.
الثاني: المسح على الجبيرة في الطهارتين الصغرى والكبرى، وفي الخف في الطهارة الصغرى فقط.
الثالث: المسح على الجبيرة لا توقيت فيها، بخلاف الخف.
الرابع: المسح على الجبيرة يستوعبها بالمسح، كما يستوعب الجلد، بخلاف الخف.
الخامس: أن المسح على الخفين يشترط له الطهارة، بخلاف الجبيرة على قول.
وإذا تبين بينهما هذه الفروق فكيف يصح قياس الجبيرة على الخف؟!
أدلة القائلين بالتيمم
.
من القرآن قوله تعالى: {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا}
(1)
.
وإذا لم يكن هذا الجرح مرضاً، فما هو المرض المبيح للتيمم؟ فهل يشترط أن يكون مرضاً مانعاً من استعمال الماء مطلقاً؟ أين الدليل على هذا
(1)
المائدة، آية:6.
الشرط، وهذا الشرط لو قالوه مخالف لقولهم: إذا كان معه ماء يكفي بعض طهره، استعمله، وتيمم عن الباقي.
الدليل الثاني:
(177)
ما رواه ابن الجارود، قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عمر بن حفص بن غياث، قال: ثنا أبي، قال: أنبأني الوليد بن عبيد الله بن أبي رباح، أن عطاء حدثه،
عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رجلاً أجنب في شتاء، فسأل، فأمر بالغسل، فاغتسل، فمات، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال: ما لهم قتلوه؟ قتلهم الله ثلاثاً قد جعل الله الصعيد، أو التيمم طهوراً، شك ابن عباس، ثم أثبته بعد
(1)
.
[إسناده حسن]
(2)
.
والغريب أن القائلين بالمسح تركوا هذا الحديث، وأخذوا بحديث جابر، وهو غلط من راويه الزبير بن خريق؛ لأن الأوزاعي والوليد بن عبيد الله قد خالفاه، فروياه عن عطاء من مسند ابن عباس، وليس فيه المسح على
(1)
المنتقى (128).
(2)
في إسناده الوليد بن عبيد الله بن أبي رباح، جاء في ترجمته:
والوليد بن عبيد الله ضعفه الدارقطني، ووثقه يحيى بن معين، وأخرج له ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما. انظر الجرح والتعديل (9/ 9)، ولسان الميزان (6/ 223).
وجرح الدارقطني غير مفسر، فلا يعارض توثيق ابن معين، وابن معين معروف بتشدده، ومع ذلك وثقه، وقد أخرج له ابن حبان وابن خزيمة في صحيحهما، وهذا تصحيح منهما لحديثه، فأقل أحواله أن يكون حسناً جمعاً بين إعمال الجرح وإعمال التعديل.
الجبيرة، ومع تقديمهم لحديث جابر على نكارته، لم يقولوا بمقتضاه من الجمع بين المسح والتيمم، بل أخذوا بعضه، وتركوا بعضه، وهذا من غرائب الاستدلال!!.
الدليل الثالث:
أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا أهل جهاد، فكانت تكثر فيهم الجروح والقروح، فلو كان المسح على الجبيرة مشروعاً لجاء مبيناً في السنة تبييناً واضحاً لا إشكال فيه، كما بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الريح حدث يبطل الوضوء، ولا ينازع في ذلك منازع، خاصة أن الأمر يتعلق بالصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام العملية، فلما لم يأت المسح إلا من حديث رجل إما متهم بالكذب، وإما ضعيف قد خالفه من هو أوثق منه، علم أن المسح ليس مشروعاً.
الدليل الرابع:
صح عن ابن عباس موقوفاً عليه القول بالتيمم،
(178)
فقد روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير،
عن ابن عباس، قال: إذا أجنب الرجل، وبه الجراحة والجدري، فخاف على نفسه إن هو اغتسل، قال: يتيمم بالصعيد
(1)
.
[حديث حسن]
(2)
.
(1)
المصنف (1/ 96).
(2)
جاء في العلل لابن أبي حاتم (1/ 26): " قال: ورواه أبو عوانة وورقاء وغيرهما، =
الدليل الخامس:
إذا كان الجنب قد رخص له إذا خاف على نفسه الضرر من الاغتسال أن يتيمم، فكذلك إذا خاف على جرحه، ولا فرق، ولا يقال له: امسح جسدك بالماء إذا خفت من الاغتسال؛ لأنه أولى من التيمم، فهذا بالماء، وذاك بالتراب، وهذا في عضوين، وذاك في الجسم كله، بل نقول له: تيمم، وهذا يكفيك، فكذلك إذا خاف على عضو من أعضائه.
= عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس موقوفاً، وهو الصحيح " اهـ.
وقد اختلف فيه على عطاء، فرواه ابن خزيمة (272) ومن طريقه ابن الجارود في المنتقى (129) قال: ثنا يوسف بن موسى،
ورواه الحاكم في المستدرك (1/ 165) من طريق إسحاق بن إبراهيم، كلاهما قال: ثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، يرفعه في قوله تعالى:{وإن كنتم مرضى أو على سفر} قال: إذا كانت بالرجل الجراحة في سبيل الله أو القروح أو الجدري، فيجنب، فيخاف إن اغتسل أن يموت، فليتيمم اهـ. ورفعه ضعيف.
أولاً: لأنه انفرد به جرير بن عبد الحميد، عن عطاء، وهو ممن روى عنه بعد الاختلاط.
وثانياً: أن الجماعة قد رووه عن عطاء موقوفاً على ابن عباس، منهم أبو الأحوص وأبو عوانة، وورقاء.
ورواه عبد الرزاق في المصنف (869) عن الثوري، عن عاصم الأحول، عن قتادة، عن ابن جبير، عن ابن عباس، قال: رخص للمريض في الوضوء التيمم بالصعيد، وقال ابن عباس: أرأيت إن كان مجدراً: كأنه صمغه ـ كيف يصنع؟
وقد رواه ابن المنذر في الأوسط (2/ 19) من طريق عبد الرزاق به. وقد سقط من المصنف الثوري وعاصم، والتصحيح من الأوسط لابن المنذر. كما أن متن عبد الرزاق فيه سقط أكملته من الأوسط.
وفي المسألة قصة عمرو بن العاص، لكن اختلف فيه، هل تيمم أو غسل مغابنه وتوضأ؟
فرواه عبد الرحمن بن جبير، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص، عن عمرو بن العاص بذكر الوضوء، وغسل المغابن
(1)
.
ورواه عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص، بذكر التيمم،
(1)
أخرجه أبو داود (335) حدثنا محمد بن سلمة المرادي، أخبرنا ابن وهب، عن ابن لهيعة وعمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص، أن عمرو بن العاص كان على سرية وذكر الحديث نحوه، قال: فغسل مغابنه، وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم صلى بهم، فذكر نحوه، ولم يذكر التيمم.
وأخرجه ابن حبان (1315) قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم، قال: حدثنا حرملة بن يحيى قال حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث به، ولم يذكر ابن لهيعة.
واختلف على حرملة بن يحيى، فرواه عنه ابن حبان كما سبق.
ورواه ابن المنذر في الأوسط (1/ 27) حدثنا أحمد بن داؤد، ثنا حرمله به بإسناد ابن حبان إلا أنه ذكر التيمم، ولم يذكر غسل المغابن ولا الوضوء، ولعله اختلط عليه رواية عبد الرحمن بن جبير عن عمرو بن العاص، برواية عبد الرحمن بن جبير، عن أبي قيس أن عمرو بن العاص
…
ألخ
وأخرجه الدارقطني (1/ 179) من طريق أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، حدثني عمي (ابن وهب) عن عمرو بن الحارث وحده به.
وأخرجه الحاكم (1/ 177) ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (1/ 226) من طريق أنبأ محمد بن عبد الله بن عبد الحكيم، أنبأ ابن وهب، حدثني عمرو بن الحارث ورجل آخر، عن يزيد بن أبي حبيب به.
قال البيهقي: ورجل آخر أظنه ابن لهيعة.
ولم يسمعه من عمرو
(1)
.
(1)
رواه أحمد في مسنده (4/ 203،204) قال: ثنا حسن بن موسى، قال: ثنا ابن لهيعة، قال: ثنا يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص أنه قال: لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ذات السلاسل، قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، قال: فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له، فقال: يا عمرو صليت بأصحابك، وأنت جنب؟ قال: قلت: نعم يا رسول الله إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، وذكرت قول الله عز وجل {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} ، فتيممت، ثم صليت. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل شيئاً.
وهذا الإسناد له علتان:
الأولى: ضعف ابن لهيعة، لكن تابعه على ذلك يحيى بن أيوب المصري، فقد أخرجه أبو داود (334) والدارقطني (1/ 178) والحاكم (1/ 177،178) من طريق يحيى بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب به.
العلة الثانية: أخشى أن يكون منقطعاً بين عبد الرحمن بن جبير وعمرو بن العاص، فإن صح سماع عبد الرحمن بن جبير من عمرو، فالإسناد صحيح إن شاء الله تعالى.
وذكره البخاري تعليقاً بصيغة التمريض، في باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت أو خاف العطش تيمم، قال البخاري: ويذكر أن عمرو بن العاص أجنب في ليلة باردة فتيمم، وتلا {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف.
قال الحافظ في الفتح (1/ 454): " وإسناده قوي، لكن علقه بصيغة التمريض؛ لكونه اختصره. الخ كلامه.
واختلف على ابن لهيعة، فرواه حسن بن موسى عنه كما سبق.
ورواه زيد بن الحباب كما في فتوح مصر لابن عبد الحكم (ص: 249) عن ابن لهيعة، فزاد في إسناده بين عبد الرحمن بن جبير، وبين عمرو بن العاص أبا فراس يزيد بن رباح. =