الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: لا يجوز المسح على الجوربين مطلقاً، وهو رواية عن مالك
(1)
.
والفرق بين المنعل والمجلد، أن المنعل ما جعل على أسفله جلدة، والمجلد ما جعل على أعلاه وأسفله.
وقيل: يجوز المسح على الجوربين وإن كانا يشفان القدمين، حكاه النووي أنه قول عمر وعلي، وإسحاق وداود
(2)
.
دليل القائلين بجواز المسح على الجوارب
.
الدليل الأول:
(18)
ما رواه أحمد، قال: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن أبي قيس، عن هزيل بن شرحبيل،
عن المغيرة بن شعبة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح على الجوربين والنعلين
(3)
.
[رجاله ثقات إلا أبا قيس فإنه صدوق، والحديث معلول]
(4)
.
(1)
انظر ما نقلته من المدونة من رواية ابن القاسم عن مالك (1/ 143)، وانظر التمهيد (11/ 157).
(2)
قال النووي في المجموع (1/ 527): " وحكى أصحابنا عن عمر وعلي رضي الله عنهما جميعاً جواز المسح على الجورب وإن كان رقيقاً، وحكوه عن أبي يوسف ومحمد وإسحاق وداود " اهـ.
(3)
المسند (2/ 252)، ومن طريق أحمد أخرجه ابن الجوزي في التحقيق (1/ 215).
(4)
أبو قيس عبد الرحمن بن ثروان، جاء في ترجمته:
قال عبد الله بن أحمد: سألت أبى، عن أبى قيس عبد الرحمن بن ثروان، فقال: روى عنه الأعمش وشعبة، وهو يخالف في أحاديثه. الجرح والتعديل (5/ 218). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقال أحمد مرة: لا بأس به. تهذيب التهذيب (6/ 138).
وقال العباس بن محمد الدوري، عن يحيى بن معين: يقدم أبو قيس على عاصم. الجرح والتعديل (5/ 218).
وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: أبو قيس ثقة. المرجع السابق.
وقال أبو حاتم: ليس بقوي، هو قليل الحديث، وليس بحافظ، قيل له: كيف حديثه؟ قال: صالح، هو لين الحديث. المرجع السابق.
وقال العجلي: كوفى ثقة ثبت. معرفة الثقات (2/ 74).
وقال النسائي: ليس به بأس. تهذيب التهذيب (6/ 138).
وقال الحاكم عن الدراقطني: ثقة. المرجع السابق.
ونقل ابن خلفون عن ابن نمير توثيقه. المرجع السابق.
وخرج له البخاري في صحيحه مع شدته في الرجال أخرج له حديثين:
الأول (6736) أخبر ابن مسعود بقول أبي موسى في ميراث ابنة وابنة ابن، وأخت .. الحديث.
والحديث الثاني: من قول ابن مسعود: إن أهل الإسلام لا يسبون
…
وفي التقريب: صدوق ربما خالف. وباقي الإسناد رجاله كلهم ثقات.
[تخريج الحديث]
الحديث أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 188) حدثنا وكيع به.
وأخرجه مسلم في كتاب التمييز (2/ 202)، فقال: ذكر خبر ليس بمحفوظ المتن، ثم رواه عن يحيى بن يحيى، حدثنا وكيع به.
وأخرجه أبو داود (159) حدثنا عثمان بن أبي شيبة،
وأخرجه الترمذي (99) حدثنا هناد، ومحمود بن غيلان،
وأخرجه النسائي في الكبرى (130) قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم،
وأخرجه ابن ماجه (559) قال: حدثنا علي بن محمد، كلهم عن وكيع به.
وصححه ابن خزيمة، فذكره في صحيحه (189). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وأخرجه الطبراني (20/ 415) رقم 996 من طريق يحيى بن عبد الحميد الحماني، حدثني أبي وعبد الله بن المبارك ووكيع وزيد بن الحباب، عن سفيان به.
وتابع زيد بن الحباب وكيعاً، فرواه عن سفيان به كما عند ابن خزيمة (189) ومن طريقه ابن حبان (1338).
كما تابعه أيضاً الضحاك بن مخلد (أبو عاصم) في مسند عبد بن حميد كما في المنتخب (398)، واختلف عليه فيه:
فرواه ابن خزيمة (198) من طريق بندار ومحمد بن الوليد، قالا: حدثنا أبو عاصم،
نا سفيان به.
قال ابن خزيمة: ليس في خبر أبي عاصم: والنعلين. وإنما قال: مسح على الجوربين.
ورواه أبو بكرة وإبراهيم بن مرزوق كما عند الطحاوي (1/ 97)
ورواه علي بن الحسن بن أبي عيسى الدرابجردي، ومحمد بن أحمد بن أنس كما في سنن البيهقي (1/ 283) أربعتهم عن أبي عاصم، عن سفيان به. بذكر النعلين كما هي رواية وكيع ززيد بن الحباب، وهي أرجح.
ورواه أبو مسلم الكشي، ثنا أبو عاصم به كما في معجم الطبراني الكبير (20/ 414) رقم 995 بذكر ومسح على الخفين، ولم يذكر الجوربين والنعلين. والمحفوظ من رواية هزيل ذكر الجوربين والنعلين. والله أعلم.
[كلام أهل العلم في الحديث]
اختلف العلماء في قبول هذا الخبر، وأكثر المتقدمين على تضعيفه خلافاً للمتأخرين.
فقد ذكر البيهقي (1/ 284): قال أبو محمد يحيى بن منصور: رأيت مسلم بن الحجاج ضعف هذا الخبر، وقال: أبو قيس الأودي، وهزيل بن شرحبيل لا يحتملان، هذا مع مخالفتهما الأجلة الذين رووا هذا الخبر عن المغيرة، فقالوا: مسح على الخفين، وقال: لا نترك ظاهر القرآن بمثل أبي قيس وهزيل.
وقال أبو داود في السنن (159): " كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث؛ لأن المعروف عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وذكر البيهقي بسنده عن عبد الرحمن بن مهدي (1/ 284): " قال: قلت لسفيان: لو حدثتني بحديث أبي قيس عن هزيل ما قبلته منك، فقال سفيان: الحديث ضعيف أو واه، أو كلمة نحوها.
وساق البيهقي بسنده أيضاً: عن محمد بن يعقوب: قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: حدثت أبي بهذا الحديث، فقال أبي: ليس يروي هذا إلا من حديث أبي قيس، وقال أبي: إن عبد الرحمن بن مهدي أبى أن يحدث به، يقول: هو منكر.
وساق البيهقي أيضاً بسنده، عن علي بن المديني أنه قال: حديث المغيرة بن شعبة في المسح رواه عن المغيرة أهل المدينة، وأهل الكوفة، وأهل البصرة، ورواه هزيل بن شرحبيل، عن المغيرة إلا أنه قال: ومسح على الجوربين، وخالف الناس.
وروى البيهقي من طريق المفضل بن غسان، قال: سألت أبا زكريا - يعني يحيى بن معين - عن هذا الحديث؟ فقال: الناس كلهم يروونه على الخفين غير أبي قيس.
وقال النسائي كما في السنن الكبرى (130): ما نعلم أن أحداً تابع أبا قيس على هذه الرواية، والصحيح عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين
وقال العقيلي: الرواية في الجوربين فيها لين. الضعفاء الكبير (2/ 327).
وقال الدارقطني: في هذا الحديث لم يروه غير أبي قيس، وهو مما يغمز عليه به؛ لأن المحفوظ عن المغيرة المسح على الخفين. العلل (7/ 112).
فهذا سفيان الثوري وابن مهدي وأحمد وابن معين ومسلم، والنسائي، والعقيلي، والدارقطني ثمانية أئمة من أئمة العلل أعلوه وقدحوا فيه، فكيف ينهض وقد جرحه هؤلاء؟
ولم يخرجه البخاري مع أنه على شرطه، فيظهر أنه تركه لعلة المخالفة.
وقال النووي بعد أن نقل عن بعض الأئمة المتقدم ذكرهم تضعيفه، قال في المجموع (1/ 500): " وهؤلاء هم أعلام أئمة الحديث، وإن كان الترمذي قال: حديث حسن (صحيح) فهؤلاء مقدمون عليه، بل كل واحد من هؤلاء لو انفرد مقدم على الترمذي باتفاق أهل المعرفة
…
الخ
وصحح الحديث بعضهم:
قال الترمذي: حديث حسن صحيح. السنن (99). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه (198) وابن حبان في صحيحه (1338).
وأومأ ابن دقيق العيد إلى تصحيحه، فقال كما في نصب الراية (185):" ومن يصححه يعتمد بعد تعديل أبي قيس على كونه ليس مخالفاً لرواية الجمهور مخالفة معارضة، بل هو أمر زائد على ما رووه، ولا يعارضه، ولا سيما وهو طريق مستقل برواية أبي هزيل، عن المغيرة لم يشارك المشهورات في سندها " اهـ.
وقال نحوه ابن التركماني في الجوهر النقي (1/ 284).
وقال أحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي (1/ 168): " وليس الأمر كما قال هؤلاء الأئمة!!! والصواب صنيع الترمذي في تصحيح هذا الحديث، وهو حديث آخر غير حديث المسح على الخفين، وقد روى الناس عن المغيرة أحاديث المسح في الوضوء، فمنهم من روى المسح على الخفين، ومنهم من روى المسح على العمامة، ومنهم من روى المسح على الجوربين، وليس في شيء منها بمخالف للآخر، إذ هي أحاديث متعددة، وروايات على حوادث مختلفة، والمغيرة صحب النبي صلى الله عليه وسلم نحو خمس سنين، فمن المعقول أن يشهد من النبي صلى الله عليه وسلم وقائع متعددة في وضوئه ويحكيها، فيسمع بعض الرواة منه شيئاً، ويسمع غيره شيئاً آخر، وهذا واضح بديهي.
وقال أيضاً في مقدمته لرسالة جمال الدين القاسمي: " العلماء جمعوا بين الأحاديث التي صحت في صفة صلاة الكسوف على أوجه متعددة، بأن هذا اختلاف وقائع، لا اختلاف رواية، مع علمهم بأن وقوع الخسوف والكسوف قليل، فأولى أن يحمل بذلك في صفة الوضوء الذي يتكرر كل يوم مراراً. اهـ كلام أحمد شاكر.
هذا كلام المتقدمين، واعتراض المتأخرين، والمرجع في العلل إلى أهله وصيارفته، وربما حسنت لي نفسي مخالفة هؤلاء الأئمة ابن مهدي وسفيان وأحمد وابن معين ومسلم والنسائي والدارقطني فأردها معاتباً لها قائلاً: أتظنين أن هؤلاء الجبال يجهلون أن هذا الطريق طريق آخر مستقل، ألست يا نفس متيقنة أنك لو ولدت في زمن أولئك ما كان لك سهم في قالوا، وقلنا، ولكن راج سوقك في زمن العقم فتكلمت، وما كان ينبغي لك. فالله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فالصحيح كلام أهل العلل أن الحديث معلول، وكيف ينهض وقد أعله أئمة الجرح؟
وعلى فرض صحة الحديث إنما مسح جوربين منعلين، وليس معناه أنه مسح على جوربين مرة، ومرة مسح على نعلين، فالحديث حكاية لفعل واحد.
وأجيب:
على فرض تضعيف هذا الحديث فإنه لا يكفي لمنع المسح على الجوربين؛ لأن هناك أدلةً أخرى أصح من هذا الحديث تكفي في الدلالة.
قال ابن القيم: قال ابن المنذر روي المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: علي وعمار وأبي مسعود الأنصاري وأنس وابن عمر والبراء وبلال وعبد الله بن أبي أوفى وسهل بن سعد، وزاد أبو داود:
وأبو أمامه وعمرو بن حريث وعمر وابن عباس، فهؤلاء ثلاثة عشر صحابياً.
والعمدة في الجواز على هؤلاء رضي الله عنهم، لا على حديث
أبي قيس، مع أن المنازعين في المسح متناقضون، فإنهم لو كان هذا الحديث من جانبهم، لقالوا: هذه زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، ولا يلتفتون إلى ماذكروه ههنا من تفرد أبي قيس، فإذا كان الحديث مخالفاً لهم أعلوه بتفرد راويه، ولم يقولوا زيادة الثقة مقبولة، كما هو موجود في تصرفاتهم، والإنصاف أن تكتال لمنازعك بالصاع الذي تكتال به لنفسك، فإن في كل شيء وفاءً وتطفيفاً، ونحن لا نرضى هذه الطريقة، ولا نعتمد على حديث أبي قيس
(1)
.
وقد نص أحمد على جواز المسح على الجوربين، وعلل رواية أبي
(1)
تهذيب السنن (1/ 187، 188).