الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يستعمل فيها إلا أقل ما قيل، وإذا اختلفوا في أكثر من ذلك وجب الرجوع إلى الأصل، وهو غسل الرجلين.
وهذا القول ضعيف جداً، مخالف للنص، لأن الحديث أذن للمقيم أن يمسح يوماً وليلة كاملين، بينما هم يقولون لمن مسح لصلاة الصبح، إذا صلى به العشاء لم يجز له أن يمسح، ولا أن يصلي به الوتر، فكان مدته يوماً وبعض ليلة، وهكذا يقال في الثلاثة أيام، فتبين ضعف هذا القول، كما أن الخلاف ليس سبباً في ترك القول الراجح، وإلا لزمكم ترك القول بالمسح على الخفين؛ لأنه قد اختلف فيه، فبعض السلف أنكره، وبعضهم ادعى أنه منسوخ بآية المائدة.
وقد ذكر بعض مشايخنا أن هذا القول هو من قول العامة، لكن وجدنا أن القول به محفوظ لبعض العلماء كالشعبي، وإسحاق بن راهوية، وسليمان بن داود الهاشمي، وأبي ثور، والله أعلم.
دليل من قال لا توقيت في حال الضرورة والمشقة الكبيرة
.
قال ابن تيمية: " لو كان في خلعه بعد مضي الوقت ضرر، مثل أن يكون هناك برد شديد متى خلع خفيه تضرر، كما يوجد في أرض الثلوج وغيرها، أو كان في رفقة متى خلع وغسل لم ينتظروه، فينقطع عنهم، فلا يعرف الطريق، أو يخاف إذا فعل ذلك من عدو أو سبع، أو كان إذا فعل ذلك فاته واجب، ونحو ذلك، فهنا قيل: إنه يتيمم.
وقيل: إنه يمسح عليها للضرورة، وهذا أقوى؛ لأن لبسها هنا صار كلبس الجبيرة من بعض الوجوه، فأحاديث التوقيت فيها الأمر بالمسح يوماً وليلة، وثلاثة أيام ولياليهن، وليس فيها النهي عن الزيادة إلا بطريق المفهوم،
والمفهوم لا عموم له، ثم قال: " وعلى ذلك يحمل حديث عقبة بن عامر، لما خرج من دمشق إلى المدينة، يبشر الناس بفتح دمشق، ومسح أسبوعاً بلا خلع، فقال له عمر: أصبت السنة، وهو حديث صحيح، وليس الخف كالجبيرة مطلقاً فإنه لا يستوعب بالمسح بحال، ويخلع بالطهارة الكبرى،
ولا بد من لبسه علىطهارة، لكن المقصود أنه إذا تعذر خلعه فالمسح أولى من التيمم
(1)
.
وقال أيضاً: " لما ذهبت على البريد، وجد بنا السير، وقد انقضت مدة المسح، فلم النزع والوضوء إلا بانقطاع عن الرفقة، أو حبسهم على وجه يتضررون بالوقوف، فغلب على ظني عدم التوقيت عند الحاجة، كما قلنا في الجبيرة، ونزلت حديث عمر، وقوله لعقبة بن عامر: أصبت السنة على هذا توفيقاً بين الآثار، ثم رأيته مصرحاً به في مغازي ابن عائد، أنه قد كان ذهب على البريد كما ذهبت لما فتحت دمشق، ذهب بشيرا بالفتح من يوم الجمعة إلى يوم الجمعة، فقال له عمر: منذ كم لم تنزع خفيك؟ فقال: منذ يوم الجمعة، قال: أصبت، فحمدت الله على الموافقة، وهذا أظنه أحد القولين لأصحابنا، وهو أنه إذا كان يتضرر بنزع الخف، صار بمنزلة الجبيرة
…
. الخ كلامه رحمه الله
(2)
.
وقول الجمهور أحوط، وهو المتيقن، وحمل حديث عقبة بن عامر في حال الضرر ليس ظاهراً من اللفظ، وإذا كان على الرفقة أن ينتظروا للصلاة، كان عليهم أن ينتظروا لشروطها، وإذا كان عليهم أن ينتظرو لكي يغسل
(1)
مجموع الفتاوى (21/ 177).
(2)
المرجع السابق (21/ 215)، وهو قول في مذهب الحنفية كما قدمت في الأقوال.
وجهه ويديه، ويمسح برأسه، فلن يعجزوا عن الانتظار لغسل قدميه، وممكن أن يخلع خفيه مسبقاً قبل الوقوف بقليل حتى لا يعيق الرفقة، ولا يقال: إن أحاديث التوقيت فيها الأمر بالمسح يوماً وليلة، وليس فيها النهي عن الزيادة إلا بطريق المفهوم؛ لأن الأصل وجوب غسل الرجلين، جاء الإذن يوماً وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر، وما عداه يرجع للأصل المستقر المجمع عليه، وهو وجوب غسل الرجلين، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه:"ويل للأعقاب من النار" خالفنا هذا الأصل لدليل صحيح في مدة معلومة فرقاً بين المقيم والمسافر لا يتجاوزها المسلم، فمن تجاوزها فقد تجاوز حدود الله، والله أعلم.