الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: قضايا العلم التجريبي بين القرآن والعلم الحديث
(1)
المنهج التجريبي هو: المنهج القائم على الملاحظة والتجربة معاً، أو يبدأ فيه من جزئيات أو مبادئ يقينية تماماً حتى تصل إلى "قضايا عامة مستخدمين في كل خطوة التجربة حتى نضمن صحة الاستنتاج، وهو منهج العلوم الطبيعية على وجه الخصوص"
(2)
.
وهو يمر بثلاث مراحل:
1 -
الملاحظة أو المشاهدة.
2 -
الفرض.
3 -
التجريب
(3)
.
4 -
القانون العلمي
ويقوم المنهج التجريبي على ثلاث قواعد
(4)
وهي:
القاعدة الأولى: إنكار كل المغيبات التي لا يمكن إخضاعها للملاحظة والتجربة.
(1)
انظر: مناهج البحث في العقيدة الإسلامية في العصر الحاضر: 158، ونقد ما يسمى بالتفسير العلمي للقرآن:14.
(2)
مناهج البحث العلمي لعبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات، الكويت، ط 3: 18 - 19، المعجم الوسيط: 2/ 624.
(3)
المرجع السابق: 131.
(4)
مناهج البحث في العقيدة ليوسف بن محمد السعيد، ضمن مجلة الدراسات العربية، كلية دار العلوم جامعة المنيا، العدد (7)، 2002:300.
القاعدة الثانية: الزعم بأن حتمية القوانين الطبيعية وقوانين التطور العلمي يمكن الاستغناء بهما عن افتراض وجود الله.
القاعدة الثالثة: ادعاء كفاية المنهج العلمي في المعرفة من ناحية، والقيم من ناحية أخرى عن المناهج المعرفية التي تعتمد على الدين.
ويختلف العلم التجريبي في القرآن عن العلم الحديث بما يلي:
أولاً: أن القرآن الكريم كتاب هداية، أنزله الله تعالى لإخراج الناس من الظلمات إلى النور قال تعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}
(1)
(2)
، تلك هي مهمة القرآن الأصلية، وقد وضحت سبل الهداية فيه: في عقائده وتشريعاته، وكانت مظاهر القدرة في الآيات الكونية فيه وسيلة من وسائل الاحتجاج للحق الذي جاء به
(3)
.
قال ابن القيم رحمه الله: " ولهذا كان أكمل الأمم علما أتباع الرسل وإن كان غيرهم أحذق منهم في علم الرمل والنجوم والهندسة
…
ونحوها من العلوم التي لما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بها وآثروها على علوم الرسل وما جاءوا به، وهي كما قال الواقف على نهاياتها الواصل إلى غاياتها: وهي بين ظنون كاذبة - وإنّ بعض الظن إثم - وبين علوم غير نافعة، نعوذ بالله من علم لا ينفع، وإن نفعت فنفعها بالنسبة إلى علوم الأنبياء كنفع العيش العاجل بالنسبة إلى الآخرة ودوامها"
(4)
.
(1)
الإسراء: 9.
(2)
إبراهيم: 1.
(3)
عناية المسلمين بإبراز وجوه الإعجاز في القرآن الكريم: 103، ومناهج البحث في العقيدة الإسلامية في العصر الحاضر:147.
(4)
الصواعق المرسلة: 3/ 875 - 876، باختصار.
فإشارة القرآن لبعض هذه المسائل المرتبطة بالعلوم التجريبية لم يكن هو المقصد الأول، ولم ينَزَّل القرآن من أجلها، أما المعلومات الدنيوية بما فيها العلوم التجريبية فإنها تجيء مرتبطة بالدلالة على حكم عقدي أو شرعي، فهي جاءت تبعًا وليس أصالةً؛ أي أن القرآن لم يقصد أن يذكرها على أنها حقيقة علمية مجردة، بل ليستدل بها مثلا: على توحيد الله وأحقيته بالعبادة، أو على حكم تشريعي، أو على إثبات اليوم الآخر، أما أهل العلم الحديث فهي مقصدهم الأول
(1)
.
ثانياً: لا توجد آية كونية ورد الإشارة إليها في كتاب الله، إلا وهي مدركة لجميع المخاطبين بها، يستوي في ذلك المتقدمون والمتأخرون، فالمتقدمون قد فهموا المراد بها على نحو ما انتهى إليه علمهم، وأدركوا دلالتها على ما سيقت له، وإنما حصل للمتأخرين زيادة في معرفة التفاصيل، ولعل مما يشبه ذلك معرفتنا اليوم بمعاني الآيات التي تتحدث عن أهوال يوم القيامة، ثم مشاهدتها على الواقع حين حصولها، فمعرفتنا اليوم بالمعاني كمعرفة الرسول صلى الله عليه وسلم بتلك المعاني، ومعرفتنا يوم نرى الواقع كمعرفة العلماء اليوم
(2)
.
أما العلم الحديث فإن القضايا العلمية التي يفسرها لا يدركها إلا الخواص من الناس، ولا يوصل إليها إلا بالمراس.
ثالثاً: أنه ليس هناك تعارض أو تناقض بأي حال، ولا من أي نوع بين أي نص قرآني صريح في دلالته، وبين أي حقيقة علميه بلغت يقين المعاينة، والمشاهدة، ضرورة أن خالق الكون سبحانه هو منزل القرآن الكريم، ولن يكون تناقض أبدا بين قول الله تعالى وبين خلقه {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}
(3)
، أما
(1)
انظر: نقد ما يسمى بالتفسير العلمي للقرآن: 15.
(2)
انظر: منهج الاستدلال بالمكتشفات العلمية على النبوة والربوبية: 302.
(3)
الأعراف: 54.
العلم الحديث فإن ما أثبته بالأمس نقضه اليوم، وما يثبته اليوم سينقضه بالغد.
رابعاً: أن بعض الحقائق التي وردت في القرآن والسنة لا يمكن أن تدخل تحت العلم التجريبي
(1)
، مثل خلق الكون، والإنسان، والأمور المستقبلية الغيبية مما يحدث للكون عند قيام الساعة
(2)
.
خامساً: القرآن يقرر القضية حقيقة حيث كانت وانتهت، وهي حقائق قطعية، فهو تقرير من العليم بأسرارها، الخبير بدقائقها، المحيط بعلومها ومعارفها:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}
(3)
.
أما العلم التجريبي فهو يبدأ في البحث عنها من البداية حتى يصل إلى الحقيقة العلمية، فهو علم احتمالي في حقائقه وقوانينه
(4)
.
سادساً: ما ذكر في القرآن من حقائق وفق سنن كونية معينة فإن الله قادر على تغييرها إذ شاء، أما أهل العلم التجريبي المعاصر فإنهم ينكرون ذلك
(5)
.
سابعاً: ظن بعضهم أن مواءمة القرآن للعلم التجريبي لا تتحقق إلا بتتبع جزئيات الحقائق العلمية وأفرادها وربطها بالإشارات القرآنية، مع أن مواءمة القرآن للعلم التجريبي متحققة بالمنهج العلمي الاستدلالي وطريقة التفكير النقدي التي يقررها القرآن، ويشهد على ذلك انسجام القضايا الكلية الكبرى في القرآن مع معطيات المنهج العلمي المعاصر
(6)
، وقبل ذلك استدلال القرآن
(1)
انظر: قضية الإعجاز العلمي بين المؤيد والمعارض: 38، ومناهج البحث العلمي: 131 - 132، وصراع مع الملاحدة حتى العظم:32.
(2)
انظر: مناهج البحث في العقيدة: 300، وكبرى اليقينيات الكونية:225.
(3)
الملك: 14.
(4)
انظر: مناهج البحث العلمي: 144، الإسلام يتحدى: 140، مناهج البحث في العقيدة الإسلامية في العصر الحاضر:150.
(5)
انظر: البراهين العلمية على صحة العقيدة الإسلامية: 203.
(6)
انظر: كبرى اليقينيات الكونية: 34.
على المشركين وإلزامهم بما تدل عليه هذه الآيات الكونية من توحيد الربوبية المستلزم لتوحيد الألوهية
(1)
.
ثامناً: وسائل المعرفة في القرآن متعددة، أما أصحاب المنهج التجريبي فإنهم يحصرون المعرفة بالتجارب، فكل معرفة حقة عندهم مرتبطة بالتجارب، بحيث يمكن فحصها أو إثباتها بصورة مباشرة أو غير مباشرة
(2)
، مع أن الحقائق التي يمكن مشاهدتها والتي يمكن عمل التجارب عليها قليلة
(3)
.
تاسعاً: القرآن يذكر القضية العلمية مجملة غير مفصلة في الغالب، أما العلم التجريبي فينحو إلى تفصيل القضية العلمية
(4)
.
(1)
انظر: منهج الاستدلال بالمكتشفات العلمية على النبوة والربوبية: 293.
(2)
الإسلام يتحدى: 26.
(3)
المرجع السابق: 47.
(4)
انظر: نقد ما يسمى بالتفسير العلمي للقرآن: 15.