الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: نبذة عن جهود السلف في العناية بالآيات الكونية ودلالتها العقدية
"لقد وفىّ علماء الإسلام الأجلاء المتقدمون منهم والمتأخرون، آيات الكتاب العزيز وسنة رسوله الكريم حقهما من التفسير والشرح والإيضاح والاستنباط، وصنفوا في ذلك كثيراً من المؤلفات الواسعة والمراجع القيمة في العقائد والتفسير والحديث والفقه وغيرها، وفسروا الآيات الكونية على مقتضى ما جاءت به الشريعة ووفق أصول اللغة وغريبها، وعلى قدر ما توافر لديهم من طرق العلم وأساليب البحث في الكائنات، وقد وفقوا فوصلوا إلى نتائج مشكورة لها قيمتها في الاستدلال على أصول العقائد"
(1)
، وخصوصاً ما يتعلق بالربوبية والبعث والنبوة.
واعتنوا بالآيات الكونية ودلالتها العقدية وبيان المخالفات العقدية المتعلقة بها سواء كانت ممن هم قبل الإسلام، كأهل الجاهلية والوثنيين والفلاسفة، أو ممن جاء بعده من أهله وغيرهم.
وتنوعت طرائقهم في التأليف والتصنيف في ذلك
(2)
بين تأليف وتصانيف مستقلة، وبين تضمين لهذه المسائل في الكتب، سواء كتب التفسير أو
(1)
التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن: 36.
(2)
انظر: تفسير ابن كثير: 1/ 207، ومعجم الموضوعات المطروقة في التأليف الإسلامي وبيان ما ألف فيها لعبد الله بن محمد الحبشي، المجمع الثقافي، أبو ظبي، ط 1: 1/ 24، 26، 28، 75، 175، 203، 332، 409، 632، 2/ 681، 703، 776، 803، 943، 1038، 1167، 1314.
الحديث وشروحه أو العقائد؛ بل حتى في كتب اللغة والتاريخ والبلدان والأماكن وغير ذلك، عند ذكر تعريف الآية أو مكانها أو تاريخها، تذكر هذه الآية وبعض ما يتعلق بها من دلائل ومسائل عقدية، مع بيان ما وقع فيها من مخالفات.
ففي كتب التفسير عند تفسير الآيات القرآنية التي تتحدث عن الآيات الكونية تذكر الآية الكونية وما ورد فيها من نصوص، وما تدل عليه من دلائل ومسائل عقدية، ويحذر مما وقع فيها من مخالفات واعتقادات باطلة ويرد على المخالفين فيها
(1)
.
أما في كتب الحديث فلهم طرائق منها: جمع الأحاديث الواردة في آية أو عدة آيات كونية، والآثار الواردة في ذلك عن الصحابة والتابعين
(2)
.
ومن خلال الكتب الجوامع تذكر بعض الأبواب المتعلقة بالآيات الكونية ويترجم لبعضها بما تدل عليه هذه الآية، مثل ما صنع البخاري رحمه الله في صحيحه: كتاب بدء الخلق، ثم ذكر تحته عدة أبواب منها
(3)
: باب ما جاء في سبع أرضين، باب في النجوم، باب صفة الشمس والقمر، باب ما جاء في قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}
(4)
.
وأما شراح الحديث فإنهم يذكرون ما يتعلق بالآية الكونية من دلائل ومسائل عقدية والمخالفات الواقعة فيها والرد على ذلك عند شرحهم للحديث.
(1)
انظر: تفسير الطبري: 1/ 221 - 224، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، تحقيق: أحمد البردوني: 1/ 255 - 260، تفسير ابن كثير: 1/ 70 - 71.
(2)
انظر: كتاب المطر والرعد والبرق والريح لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا، تحقيق: محمد العمودي، دار ابن الجوزي، الدمام، ط 1.
(3)
انظر: صحيح البخاري: 613 - 616.
(4)
الأعراف: 57.
وفي كتب العقيدة تذكر الآيات الكونية، ويستدل بها والتصرف فيها والتدبير لها على وجود الخالق وربوبيته والرد على الملاحدة، كما يستدل بها على البعث بعد الموت، وعلى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ومعجزاته، ويبين من خلال الآيات الكونية ما يجب على المسلم اعتقاده نحوها، ثم تذكر المخالفات العقدية الواقعة فيها كعبادة النجوم والتنجيم
(1)
.
وفي كتب التاريخ المطولة يفتتحون كتبهم بالكلام على ما ورد في خلق السماوات والأرض وما بينهما، وما فيها من الآيات
(2)
.
بل منهم من صنف في بيان عقيدة المسلمين في آية من آيات الله الكونية، ثم بين العقائد الباطلة المتعلقة بها من الفلاسفة والمشركين وغيرهم ممن ينتسب إلى الإسلام، والرد عليهم في ذلك
(3)
.
بالإضافة إلى التصانيف المنوعة للحث على التفكر في هذه الآيات الكونية وتفاصيل وعجائب صنع الله فيها ثم بيان دلالتها على صفات الله
(4)
، وما وقع فيها من مخالفات وبدع
(5)
.
أما التوسع والتعمق في الآيات الكونية وهذه العلوم وفق ما كان يفعله الفلاسفة ونحوهم فإنه لم يكن من هدي السلف
(6)
، وإنما لما عربت كتب
(1)
انظر: كتاب العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني، تحقيق: رضاء المباركفوري، دار العاصمة، الرياض، ط 1.
(2)
انظر: البداية والنهاية لابن كثير: 1/ 11 - 88.
(3)
انظر: القول في علم النجوم لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي، تحقيق: يوسف السعيد، دار أطلس، ط 1.
(4)
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة لابن القيم، تحقيق: عصام الدين الصبابطي: 1/ 279.
(5)
انظر: عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات: 26، 169.
(6)
انظر: نقض النظريات الكونية، لمحمد بن عبدالله الإمام، دار الآثار، صنعاء، ط 1: 19 - 25.
اليونان في بداية الدولة العباسية كان لذلك الأثر الكبير في إفساد عقائد بعض المسلمين، ومن ذلك ما يتعلق بالآيات الكونية والفلك
(1)
. قال الذهبي
(2)
رحمه الله: " لما عربت كتب الأوائل ومنطق اليونان وعمل رصد الكواكب نشأ للناس علم جديد مرْدٍ مهلكٍ لا يلائم علم النبوة، ولا يوافق توحيد المؤمنين قد كانت الأمة منه في عافية"
(3)
، وكان الذين يشتغلون بعلم الفلك والتأليف فيه وإنشاء المراصد الفلكية"صنفان من الناس وهم الفلاسفة والمنجمون، وكثير من المنتسبين منهم إلى الإسلام كانوا متهمين في دينهم، بل منهم من هو شر على الإسلام والمسلمين من اليهود والنصارى وسائر المشركين"
(4)
. وعن هذا العلم المردي المهلك نجم الكلام في القمر وغيره من الأجرام العلوية والإخبار عما فيها بمجرد التخرصات والظنون الكاذبة
(5)
.
أما ما يتعلق بما يحتويه القرآن والسنة من علوم كونية، فإن الغزالي
(6)
رحمه الله
(1)
انظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي: 326.
(2)
هو محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله الذهبي، المحدث، له مصنفات عديدة، منها: سير أعلام النبلاء، والعلو للعلي الغفار، والكبائر وغيرها، توفي عام 748.
انظر: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر، تحقيق: محمد سيد جاد الحق، دار أم القرى، القاهرة: 3/ 426، وشذرات الذهب: 6/ 153.
(3)
تذكرة الحفاظ للذهبي، تحقيق: عبد الرحمن المعلمي، دار الكتب العلمية، بيروت، مصورة عن طبعة دائرة المعارف العثمانية: 1/ 328.
(4)
الصواعق الشديدة على أتباع الهيئة الجديدة، للشيخ حمود التويجري: 118، 183 - 184، ط 1، وانظر: تذكرة الحفاظ للذهبي: 1/ 240.
(5)
المرجع السابق: 186.
(6)
هو محمد بن محمد الطوسي، أبو حامد الغزالي، من رؤوس علماء الكلام، وكانت له عناية بالتصوف وقد غلا فيه، وأقبل في أخر عمره على الحديث، من مصنفاته: إحياء علوم الدين، والمستصفى من علم الأصول، وقواعد الأحكام في إصلاح الأنام، توفي عام 505.
انظر: وفيات الأعيان في أنباء أبناء الزمان لابن خلكان، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت: 4/ 216، سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 11: 19/ 322.
هو أكثر من استوفى بيان احتواء القرآن على جميع العلوم، فقال: " القرآن يحوى سبعة وسبعين ألف علم ومائتي علم
(1)
، إذ كل كلمة علم، ثم يتضاعف ذلك أربعة أضعاف، إذ لكل كلمة ظاهر وباطن، وحد ومطلع"، ثم روى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "مَن أراد علم الأوَّلين والآخرين فليتدبر القرآن"
(2)
، ثم يقول بعد ذلك كله:"وبالجملة فالعلوم كلها داخلة في أفعال الله عز وجل وصفاته، وفى القرآن شرح ذاته وأفعاله وصفاته، وهذه العلوم لا نهاية لها، وفى القرآن إشارة إلى مجامعها"، ثم يزيد على ذلك فيقول:"بل كل ما أشكل فهمه على النُظَّار، واختلف فيه الخلائق في النظريات والمعقولات، ففي القرآن إليه رمز ودلالات عليه، يختص أهل الفهم بدركها"
(3)
.
ثم لم يزل الأمر في زيادة حتى"نظر قوم إلى ما فيه من الآيات الدالات
(1)
انظر: قانون التأويل لابن العربي، تحقيق: محمد السليماني، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 2:196.
(2)
أخرجه الطبراني في الكبير، تحقيق: حمدي السلفي، مكتبة الرشد، الرياض، 1406، بلفظ" فليثور القرآن": 9/ 135 - 136 برقم (8664 و 8665). قال الهيثمي في مجمع الزوائد، تحقيق: عبد الله الدويش، دار الفكر، بيروت، 1414: 7/ 342: رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها رجال الصحيح.
(3)
إحياء علوم الدين للغزالي، تحقيق: محمد خير طعمه حلبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 1: 1/ 368.
وانظر: كتاب الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت، 1418 - النوع الخامس والستين في العلوم المستنبطة من القرآن-: 4/ 24، وفيه يقرر أن القرآن مشتمل على كل العلوم.
على الحِكَم الباهرة، في الليل والنهار، والشمس والقمر، ومنازله، والبروج، وغير ذلك فاستخرجوا منه علم المواقيت"
(1)
.
ثم وُجِدت بعد ذلك كتب مستقلة في استخراج العلوم من القرآن، وتتبع الآيات الخاصة بمختلف العلوم، وراجت هذه الفكرة في العصر المتأخر رواجاً كبيراً بين جماعة من أهل العلم، ونتج عن ذلك مؤلفات كثيرة تعالج هذا الموضوع، كما أُلِّفت بعض التفاسير التي تسير على ضوء هذه الفكرة
(2)
.
حتى وصل الأمر في هذا العصر إلى إنشاء جمعيات ومؤسسات في الدول الإسلامية والغربية تعنى بذلك، وعلى سبيل المثال
(3)
:
1 -
الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة في مكة المكرمة.
2 -
لجنة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة في مصر.
3 -
جمعية الإعجاز العلمي للقرآن والسنة في مصر.
4 -
الهيئة الأردنية للإعجاز العلمي للقرآن والسنة.
5 -
الهيئة المغربية للإعجاز العلمي للقرآن والسنة.
6 -
جمعية الإعجاز العلمي للقرآن والسنة بولاية كاليفورنيا.
7 -
الجمعية الكندية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
وغيرها.
(1)
المرجع السابق: 4/ 26 - 28 باختصار.
(2)
انظر: التفسير والمفسرون لمحمد بن حسين الذهبي: 2/ 484 - 496.
(3)
انظر: قضية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم بين المؤيد والمعارض للدكتور زغلول راغب النجار، جمعية المحافظة على القرآن الكريم، الأردن، ط 1: 82 - 90.