الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الآيات الكونية الأرضية
وعد الله سبحانه وتعالى بأن يجعل للكون نهاية، كما خلقه سبحانه، فإنه سوف يعيده، قال تعالى:{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ}
(1)
، ومن الآيات الكونية الأرضية التي وردت في النصوص: الأرض، والجبال، والبحار.
1 - الأرض:
من الآيات الكونية يوم القيامة: تحرك الأرض وارتجاجها وتحركها وارتجافها، قال تعالى:{يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ}
(2)
، وتزلزلها:{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}
(3)
، ودكها:{وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً}
(4)
، {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا}
(5)
، وتمهد وتسوى وتصبح كالبساط الواحد لا ارتفاع ولا انخفاض فيها، قال تعالى:{فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا}
(6)
، وتمد، قال تعالى:{وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ}
(7)
مثل مد الأديم ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثم تنسف الجبال وتمد الأرض مد الأديم
(8)
"
(9)
، وتلقي ما في بطنها من الأموات وتتخلى عنهم {وَأَلْقَتْ مَا
(1)
الأنبياء: 104.
(2)
المزمل: 14.
(3)
الزلزلة: 1.
(4)
الحاقة: 14.
(5)
الفجر: 21.
(6)
طه: 106 - 107.
(7)
الانشقاق: 3.
(8)
الأديم: الجلد ما كان. لسان العرب: 9/ 1219.
(9)
سنن ابن ماجه، كتاب الفتن، باب فتنة الدجال وخروج عيسى ابن مريم: 440 برقم (408)، قال البوصيري في الزوائد: 3/ 261: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وانظر: التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة: 503/ 658.
فِيهَا وَتَخَلَّتْ}
(1)
.
قال ابن كثير رحمه الله في بيان حال الإنسان إذا رأى ما يحدث للأرض وأنه استنكر أمرها بعدما كانت قارة ساكنة ثابتة وهو مستقر على ظهرها"أي تقلبت الحال فصارت متحركة مضطربة قد جاءها من أمر الله تعالى ما قد أعده لها، من الزلزال الذي لا محيد عنه، ثم ألقت ما في بطنها من الأموات من الأولين والآخرين وحينئذ استنكر الناس أمرها، وتبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار"
(2)
، فهو مشهد عظيم.
ثم بعد هذه المشاهد للأرض، يبدلها الله تعالى كما قال عز وجل:
(3)
.
وقد اختلف في تبديل الأرض، فقيل:
1 -
تبدل الأرض أرضا أخرى من فضة.
2 -
وقيل تبدل نارا.
3 -
وقيل تبدل خبزة.
4 -
وقيل تبدل غير ذلك.
ذكر هذا ابن جرير رحمه الله وقال: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: يوم تبدل الأرض التي نحن عليها اليوم يوم القيامة غيرها، وكذلك السماوات اليوم تبدل غيرها كما قال جل ثناؤه، وجائز أن تكون المبدلة أرضا أخرى من فضة، وجائز أن تكون نارا، وجائز أن تكون خبزا،
(1)
الانشقاق: 4.
(2)
تفسير ابن كثير: 8/ 460.
(3)
إبراهيم: 48.
وجائز أن تكون غير ذلك، ولا خبر في ذلك عندنا من الوجه الذي يجب التسليم له أيُ ذلك يكون، فلا قول في ذلك يصح إلا ما دل عليه ظاهر التنزيل"
(1)
.
(2)
.
وهذا مشهد عظيم فيه بيان لعظمة الله تعالى وقدرته وهيمنته على خلقه أجمعين.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ "
(3)
.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ "
(4)
.
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن
(5)
رحمه الله: " هذه الأحاديث وما في معناها
(1)
تفسير الطبري: 13/ 299، وانظر: فتح الباري: 11/ 375.
(2)
الزمر: 67.
(3)
سبق تخريجه: 204.
(4)
صحيح مسلم، كتاب المنافقين وصفاتهم: 4/ 2148، برقم (2788).
(5)
هو الشيخ عبدالرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب، من أئمة الدعوة النجدية، وله من المؤلفات: فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، وقرة عيون الموحدين، والرد على داود بن جرجيس وغيرها، توفي عام 1285 هـ. انظر: مشاهير علماء نجد، للشيخ عبدالرحمن بن عبداللطيف آل الشيخ، دار اليمامة، الرياض، ط 2: 78، وعلماء نجد خلال ثمانية قرون للشيخ عبدالله البسام، دار العاصمة، الرياض، ط 2: 1/ 180.
تدل على عظمة الله وعظيم قدرته وعظم مخلوقاته وقد تعرف سبحانه وتعالى إلى عباده بصفاته وعجائب مخلوقاته وكلها تعرف وتدل على كماله، وأنه هو المعبود وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وتدل على إثبات الصفات له على ما يليق بجلال الله وعظمته، إثباتا بلا تمثيل، وتنزيها بلا تعطيل، وهذا هو الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وعليه سلف الأمة وأئمتها ومن تبعهم بإحسان واقتفى أثرهم على الإسلام والإيمان"
(1)
.
فيقبض الحق تبارك وتعالى الأرض بيده في يوم القيامة، ويطوي السماوات بيمينه، كما قال تبارك وتعالى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
(2)
.
وهذا القبض للأرض يقع بعد أن يفني الله خلقه.
والأرض التي يحشر العباد عليها في يوم القيامة أرض أخرى غير هذه الأرض، قال تعالى:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}
(3)
.
عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي، ليس فيها معلم
(4)
لأحد"
(5)
.
(1)
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، للشيخ عبدالرحمن بن حسن، تحقيق الوليد الفريان، دار عالم الفوائد، مكة، ط 11: 2/ 847.
(2)
الزمر: 67.
(3)
إبراهيم: 48.
(4)
العفراء: بالعين المهملة والمد بيضاء إلى حمرة.
والنقي: بفتح النون وكسر القاف وتشديد الياء هو الدقيق الحوري، وهو الدرمك، وهو الأرض الجيدة.
المعلم: أي ليس بها علامة سكنى أو بناء ولا أثر.
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم: 17/ 134.
(5)
صحيح مسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب في البعث والنشور وصفة الأرض يوم القيامة: 4/ 2150 برقم (2790).
وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الوقت الذي يتم فيه هذا التبديل هو وقت يكون الناس على الصراط، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ}
(1)
، فأين يكون الناس يا رسول الله؟ فقال: على الصراط"
(2)
.
وعن ثوبان رضي الله عنه أن حبراً من أحبار اليهود سأل الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: "أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم في الظلمة دون الجسر"
(3)
.
كما أخبر عنها أنها تشرق وتضيء يوم القيامة بنور ربها
(4)
(5)
.
وقوله تعالى: {وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً}
(6)
"خطاب لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد ممن يتأتى منه الرؤية، أي: وترى جميع جوانب الأرض: بارزة بادية ظاهرة، أما ظهور ما كان منها تحت الجبال فظاهر، وأما ما عداه فكانت الجبال تحول بينه وبين الناظر قبل ذلك أو تراها بارزة لذهاب جميع ما عليها من الجبال والبحار والعمران والأشجار، وإنما اقتصر على زوال الجبال
(1)
إبراهيم: 48.
(2)
صحيح مسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب في البعث والنشور وصفة الأرض يوم القيامة: 4/ 2150 برقم (2791).
(3)
صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب بيان صفة مني الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من مائهما: 1/ 252 برقم (315).
(4)
انظر: تفسير ابن كثير: 7/ 118.
(5)
الزمر: 69.
(6)
الكهف: 47.
لأنه يعلم منه زوال الأرض بطريق الأولى"
(1)
.
وقد أنكر بعضهم زلزلة الأرض يوم القيامة، وقال: إن المقصود بذلك أنه الزلزال الوضعي الصناعي الذي يحصل بواسطة الحفريات وغيرها، يقول أحمد فائق رشد في تفسير سورة الزلزلة:"ليس المقصود هنا زلزلة الأرض الطبيعية ولاشيء كهذا؛ لأن الزلازل الأرضية لا تخرج لنا الأثقال الموجودة في باطن الأرض بل بالعكس إذا كانت الرجة شديدة، والهزة قوية مديدة فتبتلع القرى والمباني"
(2)
، ثم قال:"فالمقصود من كلام الله هو غير ذلك بل هو الزلزال الوضعي الصناعي الذي يحدث بواسطة الأيدي البشرية يعني الحفريات العديدة العظيمة التي تقوم بها جماعات وشركات لأغراض مختلفة، منها البحث عن الآثار القديمة، والمدن المطمورة. ومنها -وهو المقصود المطلوب هنا- البحث عن المعادن، الكنوز الثمينة كالذهب والفضة والحديد والنحاس والفحم وسائر المعادن الثقيلة"
(3)
، ثم قال:"من يزور منجماً واحداً من مناجم التعدين للحديد مثلاً أو للفحم .. يرى ما يدهش من جبال الأتربة والصخور المستخرجة من باطن الأرض".
بل قال: "والمعنى الباطني: الزلزلة: الشك في الإيمان والاضطراب في الاعتقاد وضعف الثقة بصاحب الأمر، والأرض رمز الأمة"
(4)
.
ولا شك أن هذا الكلام غير صحيح ولا يستحق الرد عليه، فهو مخالف للنصوص الشرعية، والعقول السوية
(5)
.
(1)
روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني: 15/ 288.
(2)
تفسير القرآن من القرآن في دائرة العلم والعقل والواقع المحسوس، لأحمد فائق رشد، مطبعة النصر بالفجالة:42.
(3)
المرجع السابق: 43.
(4)
المرجع السابق: 49.
(5)
انظر: شوائب التفسير في القرن الرابع عشر، لعبدالرحيم فارس أبو علبة، رسالة دكتوراه بكلية الشريعة التابعة لدار الفتوى بلبنان، جامعة بيروت الإسلامية، مطبوعة بالحاسب الآلي: 1/ 115.