الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن القيم رحمه الله مبيناً شأن هذه الآية الكونية: "وإذا نظرت إلى الأرض وكيف خلقت رأيتها من أعظم آيات فاطرها وبديعها"
…
ثم ذكر بعض أنواع الخلق فيها، وأن الله عز وجل خلقها"فراشا ومهادا، وذللها لعباده، وجعل فيها أرزاقهم وأقواتهم ومعايشهم، وجعل فيها السبل لينتقلوا فيها في حوائجهم وتصرفاتهم، وأرساها بالجبال فجعلها أوتادا تحفظها لئلا تميد بهم"
…
ثم قال رحمه الله: " ولولا أن هذا من أعظم آياته لما نبه عليه عباده وهداهم إلى التفكير فيه"
(1)
.
ولما كان القرآن كثيراً ما يقرن بين السماوات والأرض كان الاستدلال بالأرض على المسائل العقدية- في مواضع كثيرة - هو نفس الاستدلال بالسماوات، وسأشير إلى ذلك - إن شاء الله تعالى-.
ثبات الأرض:
أخبر الله عز وجل أنه خلق الأرض ومدها وأرساها بجبال راسيات شامخات ترسو بها، أي تثبت
(2)
(3)
.
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ
(1)
مفتاح دار السعادة: 1/ 308 - 309 باختصار، وانظر: التحرير والتنوير: 27/ 19، 30/ 303.
(2)
انظر: تفسير القرطبي: 9/ 280، 10/ 13، 90، وتفسير البغوي: 2/ 509، وتفسير ابن كثير: 4/ 431، 563، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: 2/ 360.
(3)
الرعد: 3.
أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}
(1)
، "ولو كانت تجري وتدور على الشمس
…
لكانت تزول من مكان إلى مكان وهذا خلاف نص الآية الكريمة"
(2)
.
(3)
، وقال تعالى:{أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا}
(4)
أي: "قارة ساكنة ثابتة، لا تميد ولا تتحرك بأهلها ولا ترجف بهم، فإنها لو كانت كذلك لما طاب عليها العيش والحياة، بل جعلها من فضله ورحمته مهادًا بساطًا ثابتة لا تتزلزل ولا تتحرك"
(5)
.
وقد نقل أكثر من واحد الإجماع على وقوف الأرض وسكونها
(6)
، بل نُقل إجماع المسلمين وأهل الكتاب على ذلك
(7)
.
وأن حركتها إنما تكون في العادة بزلزلة تصيبها، وزلزلة الأرض على نوعين: زلزلة عامة وهي التي تكون يوم القيامة، وزلزلة خاصة وهي التي تكون في نواحي الأرض
(8)
.
(1)
فاطر: 41
(2)
الصواعق الشديدة: 23.
(3)
غافر: 64.
(4)
النمل: 61.
(5)
تفسير ابن كثير: 6/ 203.
(6)
انظر: الفرق بين الفرق: 290.
(7)
تفسير القرطبي: 9/ 280. وانظر: الصواعق الشديدة: 53، وذيل الصواعق لمحو الأباطيل والمخارق: 347.
(8)
انظر: تفسير التحرير والتنوير: 17/ 187، وتتمة أضواء البيان للشيخ عطية سالم: 9/ 430.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لما خلق الله الأرض جعلت تميد فخلق الجبال فعاد بها عليها فاستقرت"
(1)
.
وفي حديث صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: " ذكر بابا من قِبل المغرب مسيرة عرضه، أو يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين عاما، قال سفيان: قِبل الشام، خلقه الله يوم خلق السموات والأرض مفتوحا - يعني للتوبة - لا يغلق حتى تطلع الشمس منه"
(2)
.
"وهذا الحديث الصحيح من أقوى الأدلة على أن الأرض ساكنة لا تدور ولا تفارق موضعها أبداً. وهذا مستفاد من النص على أن باب التوبة ثابت في ناحية المغرب لا يزايله ولا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها"
(3)
، ولو كانت متحركة لكانت وجهة ذلك الباب تختلف بحسب دوران الأرض فتكون من ناحية المغرب تارة ومن ناحية المشرق تارة
…
(4)
.
والله"لم يقرن الأرض في القرآن كله من أوله إلى آخره في حال ذكرها مقرونة مع غيرها لم يذكرها مقرونة إلاّ مع السماوات، وأما الشمس فلم يذكرها مقرونة إلاّ مع القمر والنجوم الأخرى، وهذا له دلالة على أن الثابت يُذكر مقروناً مع الثابت، والمتحرك يُذكر مقروناً مع المتحرك، بل حتى لو جاء ذكر تلك الأجرام مقرونة فإن الله تعالى يذكر أولاً السماوات والأرض بعدها،
(1)
سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب 115: 533 برقم (3369)، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه. وضعفه الألباني، انظر: ضعيف سنن الترمذي: 440 برقم (668).
(2)
سنن الترمذي، كتاب الدعوات، باب فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله لعباده: 556 برقم (3535)، وقال: حديث حسن صحيح. وحسنه الألباني، انظر: صحيح الترمذي: 3/ 173 برقم (2801).
(3)
الصواعق الشديدة: 33.
(4)
انظر: المصدر السابق: 33.
ثم يذكر الشمس والقمر والنجوم بعد ذلك، فلم يأت قط في القرآن أن الشمس ذُكرت مقرونة مع السماوات في آية، أو أن الشمس تُذكر بعد السماوات في حال ذكر الأجرام الكونية معها، ثم تُذكر الأرض مع القمر والنجوم، وهذا يدل على أن الثوابت تذكر مع بعضها وهي السماوات والأرض، وأن المتحركة تذكر مع بعضها وهي الشمس والقمر والنجوم وهذه الحقيقة واضحة لكل من تدبر آيات القرآن"
(1)
.
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: عن دوران الأرض؟ ودوران الشمس حول الأرض؟ وما توجيهكم لمن أسند إليه تدريس مادة الجغرافيا وفيها أن تعاقب الليل والنهار بسبب دوران الأرض حول الشمس؟ فأجاب فضيلته بقوله: "خلاصة رأينا حول دوران الأرض أنه من الأمور التي لم يرد فيها نفي ولا إثبات لا في الكتاب ولا في السنة، وذلك لأن قوله تعالى:{وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ}
(2)
ليس بصريح في دورانها، وإن كان بعض الناس قد استدل بها عليه محتجاً بأن قوله:{أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} يدل على أن للأرض حركة، لولا هذه الرواسي لاضطربت بمن عليها. وقوله:{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا}
(3)
. ليس بصريح في انتفاء دورانها، لأنها إذا كانت محفوظة من الميدان في دورانها بما ألقى الله فيها من الرواسي صارت قراراً وإن كانت تدور.
أما رأينا حول دوران الشمس على الأرض الذي يحصل به تعاقب الليل والنهار، فإننا مستمسكون بظاهر الكتاب والسنة من أن الشمس تدور على
(1)
جريان الشمس وسكون الأرض لخالد بن صالح الغيص،
http: //islamtoday.net/nawafeth/artshow-40 - 142726.htm
(2)
النحل: 15.
(3)
غافر: 64.