الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: الهدي النبوي تجاه الآيات الكونية
قد بين الله تعالى في كتابه العزيز أن ما فضل به رسول الله صلى الله عليه وسلم على غيره من البشر إنما هو بالوحي.
قال جل ذكره: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}
(1)
.
فهو صلى الله عليه وسلم بشر من بني آدم، ليس له من الأمر شيء، وإنما فضله الله وخصه بالوحي الذي أوحاه إليه، وأمره بإتباعه والدعوة إليه
(2)
.
والوحي يشمل القرآن الكريم والسنة المطهرة؛ الذين جاء بهما محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله، قال تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}
(3)
(4)
.
وقد أمر الله عز وجل بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في آيات كثيرة، وبين أن طاعته من طاعة الله تعالى، وليس ذلك إلا لأنه يتكلم بالوحي وينطق به ويأمر بشريعة الله تعالى ويبين سنن الهدى التي أمره الله تعالى أن يبلغها، قال تعالى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}
(5)
،
(1)
الكهف: 110، فصلت:6.
(2)
انظر: تفسير الطبري: 24/ 107، وتفسير ابن كثير: 3/ 114، وتفسير ابن سعدي: 4/ 1564.
(3)
النجم: 3 - 4.
(4)
يونس: 15.
(5)
النساء: 80.
وقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}
(1)
.
وقد ختمت الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}
(2)
.
فكان محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً للعالمين، وليس خاصاً بقومه من العرب كما كان الأنبياء والمرسلون قبله يرسلون إلى أقوامهم؛ وذلك لأن رسالته هي خاتم الرسالات، ودينه هو الباقي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}
(3)
، وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}
(4)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: " وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون".
وفي رواية: "كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود"
(5)
.
وقد بين الله تعالى أنه علم هذا الرسول من العلوم ما لم يكن يعلم، قال تعالى:{وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}
(6)
.
وقد أمره الله تعالى أن يدعوه بطلب زيادة العلم، قال تعالى:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}
(7)
. فهذا العلم - ومنه العلم بالآيات الكونية - الذي جاء عن
(1)
المائدة: 92.
(2)
الأحزاب: 40.
(3)
الفرقان: 1.
(4)
الأنبياء: 107.
(5)
صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة: 1/ 370 - 371 برقم (521، 523).
(6)
النساء: 113.
(7)
طه: 114.
رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو من الوحي الذي أوحاه الله تعالى إليه.
وقد جاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه عندما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كتابة كل ما يسمعه منه فأوما صلى الله عليه وسلم بأصبعه إلى فيه، وقال:"اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق"
(1)
.
فهذا يدل على أن كل ما جاء في السنة المطهرة حق لا شك فيه سواء كان إشارة إلى حقيقة علمية، أو قضية تاريخية عن نبي من الأنبياء، أو عن أحد من أهل زمانه أو غير ذلك، وهو موافق لما جاء في القرآن.
ولما كان الأمر كذلك فلا بد أن تكون وجوه الإعجاز فيها هي نفس وجوه الإعجاز في القرآن الكريم اللهم إلا فيما كان راجعاً إلى الصفة الإلهية في القرآن الكريم كإعجازه اللغوي والنحوي والصرفي والأسلوبي
(2)
.
ويمكن تقسيم الهدي النبوي تجاه هذه الآيات الكونية، كالتقسيم السابق للهدي القرآني تجاهها إلى ثلاثة أقسام رئيسة
(3)
:
(1)
سنن أبي داود - اعتنى به فريق بيت الأفكار الدولية، دار بيت الأفكار الدولية، الرياض-: كتاب العلم، باب في كتابة العلم: 403 برقم (3646)، ومسند الإمام أحمد: 11/ 58 برقم (6510)، وقال المحقق: إسناده صحيح. ورواه الحاكم في مستدركه، دار الفكر، بيروت، 1398: 1/ 105 - 106، وقال: رواة هذا الحديث قد احتج بهم عن آخرهم غير الوليد، وأظنه الوليد بن أبي الوليد الشامي فإنه الوليد بن عبد الله، وقد غلبت على أبيه الكنية، فإن كان كذلك فقد احتج مسلم به. وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: إن كان الوليد هو ابن أبي الوليد الشامي فهو على شرط مسلم. قال الألباني على كلام الحاكم: كذا قال، وإنما هو الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث مولى بني الدار حجازي، وهو ثقة كما قال ابن معين وابن حبان. انظر: السلسلة الصحيحة: 4/ 45 - 46 برقم (1532).
(2)
انظر: مقارنة بين أسلوب الحديث النبوي وأسلوب القرآن الكريم لمصطفى أحمد الزرقا، مجلة البحوث الإسلامية، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، العدد (1)، عام 1395: 91 - 95.
(3)
انظر: ص 76 من هذا البحث، وسمات الآيات الكونية الواردة في القرآن الكريم:1.