الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاستدل إبراهيم عليه السلام على وجود الله، وأنه المالك المتصرف المستحق للعبادة وحده -بأن الله هو الذي يحي ويميت- بقوله:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
(1)
.
"فحدوث هذه الأشياء المشاهدة وإيجادها بعد العدم، وعدمها بعد الوجود دليل على وجود الله؛ لأنها لم تحدث بنفسها فلا بد لها من موجد أوجدها وهو الرب، الذي يحيي ويميت والذي يتصرف في الوجود، في خلق ذواته، وتسخير كواكبه وحركاته"
(2)
.
وفي" ضمن هذه المناظرة من حسن الاستدلال بأفعال الرب المشهودة المحسوسة التي تستلزم وجوده وكمال قدرته ومشيئته وعلمه ووحدانيته من الإحياء والإماتة المشهودين الذين لا يقدر عليهما إلا الله وحده، وإتيانه تعالى بالشمس من المشرق لا يقدر أحد سواه على ذلك"
(3)
، وهذا برهان لا يقبل المعارضة بوجه.
ثانياً: توحيد الربوبية:
يخبر الله عز وجل أنه مالك الملك وأن له الملك المطلق والتدبير كله، وذكر من ذلك بعض التصاريف التي انفرد بها سبحانه وتعالى ومنها الإحياء والإماتة.
وهذا أعظم دليل على قدرة الله، وأن جميع الأشياء مسخرة مدبرة لا تملك من التدبير شيئا
(4)
(5)
.
ومن الأدلة على تفرد الله عز وجل بالخلق والتدبير والإماتة والإحياء قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
(6)
.
فهذا الرجل الذي مر على قرية خاوية على عروشها قد باد أهلها وفني مكانها، قال جهلاً بقدرة الله:{أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} فأماته الله عز وجل وحماره، ثم أحياه وحماره، وفي هذا أعظم دليل على تفرده سبحانه بالإحياء والإماتة
(7)
.
كما أخبر الله عز وجل في عدة آيات أن له ملك السماوات والأرض وأن هو المحيي المميت فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}
(8)
. وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا
(1)
البقرة: 258.
(2)
المرجع السابق: 1/ 686، وانظر: تفسير السعدي: 111.
(3)
مفتاح دار السعادة: 2/ 285.
(4)
تفسير السعدي: 126.
(5)
آل عمران: 26 - 27.
(6)
البقرة: 259.
(7)
انظر: تفسير القرطبي: 3/ 290.
(8)
التوبة: 116.
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}
(1)
.
فقوله: {يُحْيِي وَيُمِيتُ} : "لتصوير معنى الملك في أتم مظاهره المحسوسة للناس المسلم بينهم أن ذلك من تصرف الله تعالى لا يستطيع أحد دفع ذلك ولا تأخيره"
(2)
.
ومن الأدلة على تفرد الله عز وجل بالخلق أنه سبحانه وتعالى خلق آدم عليه السلام من غير أب ولا أم، وخلق عيسى عليه السلام من أم بلا أب، وخلق باقي الخلق من أم وأب، قال تعالى عن آدم وعيسى i:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}
(3)
(4)
وقال عن بقية الخلق: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ}
(5)
(6)
، وقال تعالى:{وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى}
(7)
.
(1)
الملك: 1 - 2.
(2)
التحرير والتنوير: 11/ 48، وانظر: تفسير ابن كثير: 8/ 176.
(3)
آل عمران: 59.
(4)
آل عمران: 45 - 47.
(5)
النحل: 4.
(6)
غافر: 67.
(7)
النجم: 45 - 46.