الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
الآيات الكونية المتعلقة بيوم القيامة منها آيات سماوية -كالسماء والشمس والقمر والنجوم والكوكب-، ومنها آيات أرضية -كالأرض والجبال والبحار-، وأهوال يوم القيامة وما يحدث لهذه الآيات الكونية من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها
(1)
.
وقدم الله سبحانه وتعالى مشاهد ما يقع للآيات السماوية على مشاهد ما يقع للآيات الأرضية، فقال تعالى:{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ}
(2)
(3)
(4)
.
فيجب التصديق بها وعدم التكلف فيها؛ فإن مثل هذه الأمور لا تدرك إلا بخبر عن الله عز وجل وعن ونبيه صلى الله عليه وسلم.
وقد سبق في المبحث السابق - الآيات الكونية المتعلقة بأشراط الساعة -
(1)
ذكر القرطبي تفسيراً للنصوص الواصفة لأهوال يوم القيامة -ومنها هذه الآيات الكونية- في كتابه التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة: 2/ 538.
(2)
الانفطار: 1 - 3.
(3)
الانشقاق: 1 - 5.
(4)
التكوير: 1 - 11.
بيان الضوابط في دراسة مثل هذه الأمور وسبب إيراد كلام المعاصرين عن التفسير والإعجاز العلمي
(1)
.
قال الحليمي
(2)
رحمه الله: " وقد أخبر الله عز وجل على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أنه مفني ما على وجه الأرض ومبدل الأرض غير الأرض، وأن الشمس تكور، وأن البحار تسجر، والكواكب تنثر فيذرها قائمة صفصفاً لا ترى فيها عوجا ولا أمتاً، وكل ذلك كائن على ما جاء به الخبر، وعد الله صدق وقوله حق. وأما ما وراء ذلك مما لم يخبر الله عز وجل عنه بشيء، فأمره إليه وهو أعلم بما هو فاعله.
ولا ينبغي لنا أن نتكلم فيه بشيء لأن القول على كل حال بغير علم حرام، فالاجتراء به على الله جل ثناؤه أشد وأولى بالحرمة، أعني بهذا إن سائل سأل: أن السماء إذا طويت والشمس إذا كورت أو الكواكب إذا انتثرت، أو عن الأرض بعد ركوب الناس الصراط وفراغها منهم، ماذا يكون من أمرها بعد ذلك؟ لم يكن له جواب يمكن القطع به، والأولى بالمسؤول أن يقول: كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم للذي سأله عن الساعة: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل"
(3)
.
فإن مثل هذا لا يدرك إلا بخبر ولم يأتنا في هذه الأبواب عن الله جل ثناؤه خبر إلا أن في الجملة يخبرنا بانتقاض الأجسام، فإن أراد الله تعالى أفناها
(1)
ص: 563.
(2)
هو أبو عبدالله الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم البخاري الشافعي، كان رئيس المحدثين والمتكلمين في بلاد ما وراء النهر، من مؤلفاته: المنهاج في شعب الإيمان، توفي سنة 403.
انظر: سير أعلام النبلاء: 17/ 231، وشذرات الذهب: 3/ 167.
(3)
صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله: 1/ 36 برقم (18).
وحبس البقاء عنها، وفعل ذلك بها، وإن أراد غير ذلك فله الخلق والأمر يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وهو على كل شيء قدير"
(1)
.
" وقد ذكر د. زغلول النجار -حفظه الله-: "من ضوابط التعامل مع قضية الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ما يلي:
1 -
عدم الخوض في القضايا الغيبية غيبة مطلقة، وضرورة التوقف في ذلك عند حدود النصوص الواردة في كتاب الله أو في أحاديث خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم، انطلاقاً من الإيمان الكامل بهما، واعترفا بعجز الإنسان عن الوصول إلى مثل هذه الغيوب المطلقة بغير هداية ربانية.
" 2 - التأكيد على أن الآخرة بتفاصيلها المختلفة وأحداثها المتتابعة لها من السنن والقوانين ما يغاير سنن الدنيا مغايرة كاملة، وعلى ذلك فإن وقوع الآخرة لا يحتاج إلى أي من سنن الدنيا البطيئة الرتيبة؛ لأن الله تعالى يصف وقوعها بالفجائية الشديدة، وذلك بقوله -عز من قائل- مخاطباً خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}
(2)
.
" وعلى ذلك فإن المشتغلين بعلوم الكون إذا استخدموا عدداً من الشواهد الحسية التي أبقاها الله تعالى لنا في صخور الأرض أو في صفحة السماء للتدليل على حتمية الآخرة من أجل البرهنة على تلك الحتمية وعلى ضرورتها، فإن ذلك لا يمكن أن يعني قدرتهم على استشراف زمن وقوعها الذي هو من صميم الغيب المطلق الذي لا يعلمه إلا الله تعالى"
(3)
.
(1)
المنهاج في شعب الإيمان: 1/ 336 - 337.
(2)
الأعراف: 187.
(3)
تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} للدكتور زغلول النجار. موقع الدكتور زغلول النجار.
http: //www.elnaggarzr.com/index.php? itm=66 e 075381 fbee 8 ee 27490 f 992 ab 3312 d
" فيوم القيامة من الأمور الغيبية التي لا يصح الكلام فيها إلا بدليل من الكتاب أو السنة
…
كما أن الآخرة لا تنطبق عليها نواميس الدنيا
…
فلها نواميس مختلفة
…
ولذلك لا يصح أن نطبق قوانين الدنيا على الآخرة
…
وإنما نصدق بما جاءنا عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم
…
ولا نخوض في أشياء غيبية لا نعرفها
…
لأن هذا من القول بغير علم
…
وقد قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}
(1)
"
(2)
.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله عن الوفاء ابن عقيل
(3)
رحمه الله جواباً لمن ذكر لماذا يخرب الله العالم عند يوم القيامة؟ .
قال ابن القيم رحمه الله: " وقرأ قارئ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} ، وفي الحاضرين أبو الوفاء ابن عقيل، فقال له قائل: يا سيدي هب أنه أنشر الموتى للبعث والحساب، وزوج النفوس بقرنائها بالثواب والعقاب، فلم هدم الأبنية، وسير الجبال، ودك الأرض، وفرط السماء، ونثر النجوم، وكورت الشمس؟ فقال: إنما بنى لهم الدار للسكنى والتمتع، وجعلها وجعل ما فيها للاعتبار والتفكر والاستدلال عليه لحسن التأمل والتذكر. فلما انقضت مدة السكنى وأجلاهم من الدار خربها لانتقال الساكن منها، فأراد أن يعلمهم بأن الكون كان معموراً
(1)
الإسراء: 36.
(2)
موسوعة الإعجاز العلمي ليوسف الحاج: 404.
(3)
هو أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل، من علماء الحنابلة، وله مؤلفات كثيرة، منها: كتاب الفنون، الذي يزيد على أربعمائة مجلد، توفي عام 513. انظر: سير أعلام النبلاء: 19/ 443، وشذرات الذهب: 6/ 58.
بهم وفي إحالة الأحوال، وإظهار تلك الأهوال، وبيان المقدرة بعد بيان العزة، وتكذيب لأهل الإلحاد، وزنادقة المنجمين، وعباد الكواكب والشمس والقمر والأوثان، فيعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين، فإذا رأوا آلهتهم قد انهدمت، وأن معبوداتهم قد انتثرت وانفطرت، ومحالها قد تشققت ظهرت فضائحهم وتبين كذبهم، وظهر أن العالم مربوب محدث مدبر، له رب يصرفه كيف يشاء، تكذيباً لملاحدة الفلاسفة القائلين بالقدم. فكم لله من حكمة في هدم هذه الدار ودلالة على عظيم عزته وقدرته وسلطانه وانفراده بالربوبية، وانقياد المخلوقات بأسرها لقهره، وإذعانها لمشيئته فتبارك الله رب العالمين"
(1)
.
(1)
التفسير القيم لابن القيم: 505.