الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وليس المراد من الأحاديث تشبيه الله بالقمر والشمس - تعالى الله- بل المراد تشبيه الرؤية بالرؤية، وليس تشبيهًا للمرئي بالمرئي، فالله ليس له مثيل:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}
(1)
، سبحانه وتعالى:{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}
(2)
.
ومع إخباره صلى الله عليه وسلم أنهم يرونه، فيه إخبارهم أنهم يرونه في جهة منهم - وهي العلو - وذلك من وجوه:
"أحدها: أن الرؤية في لغتهم لا تعرف إلا لرؤية ما يكون في جهة منهم، فأما رؤية ما ليس في جهة فلم يكونوا يتصورونه، فضلا عن أن يكون اللفظ دالاً عليه، بل لا يتصور أحد من الناس وجود موجود في غير جهة.
الثاني: أنه قال: " فإنكم ترون ربكم كما ترون الشمس صحواً، وكما ترون القمر صحواً"، فشبه لهم رؤيته برؤية الشمس والقمر، وهما يريان من جهة العلو.
الثالث: أنه قال: " هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟ وهل تضارون في رؤية القمر ليس دونه سحاب؟ ".
فشبه رؤيته برؤية أظهر المرئيات، إذا لم يكن ثم حجاب منفصل عن الرائي يحول بينه وبين المرئي"
(3)
.
رابعاً: توحيد الألوهية:
الله عز وجل يستدل على المشركين بإقرارهم بتوحيد الربوبية، وأنه المستقل بخلق السماوات والأرض، وتسخير الشمس والقمر على وجوب إفراده
(1)
الشورى: 11.
(2)
مريم: 65.
(3)
شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للشيخ عبدالله بن محمد الغنيمان، دار العاصمة، الرياض، ط 2: 2/ 154، وانظر: بيان تلبيس الجهمية: 2/ 409 - 415.
بالعبادة
(1)
(2)
.
فالمشركون - الذين يعبدون مع الله غيره - معترفون أنه المستقل بخلق السماوات والأرض والشمس والقمر"فإذا كان الأمر كذلك فلم يُعبد غيره؟ ولم يتوكل على غيره؟ فكما أنه الواحد في ملكه فليكن الواحد في عبادته، وكثيرًا ما يقرر تعالى مقام الإلهية بالاعتراف بتوحيد الربوبية"
(3)
.
والإيمان بأن الله هو الخالق المالك المتصرف، والتفكر في ملكوته - ومنه الشمس- يستلزم وجوب إفراد الله بالعبادة، كما أخبر الله عز وجل عن إبراهيم عليه السلام في مناظرته لقومه:{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}
(4)
؛ لأن التأمل والتفكر في ملكوت السماوات والأرض وتصريفهما وغير ذلك مما أخبر الله عنه"يدل على وحدانية الله في ملكه وخلقه، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه"
(5)
.
(6)
، فالله عز وجل يظهر هذه الآيات ليستدل بها على أنه الحق، وأن كل ما
(1)
انظر: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن لمحمد الأمين الشنقيطي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط عام 1415: 6/ 673.
(2)
العنكبوت: 61.
(3)
تفسير ابن كثير: 6/ 294، وانظر: تفسير القرطبي: 13/ 361.
(4)
الأنعام: 75.
(5)
تفسير ابن كثير: 3/ 290، وانظر: تفسير السعدي: 262.
(6)
لقمان: 29 - 30.
سواه باطل، وأنه القادر على هذه الأشياء وحده، فكل ما في السماوات والأرض خلقه وعبيده، فوجب أن تكون العبادة له وحده لا إله إلا هو
(1)
.
(2)
.
فلما ذكر الله عز وجل الليل والنهار، وتسخير الشمس والقمر، والتي تقطع الفلك وتسير إلى غاية لا يعلم قدرها إلا الذي قدرها وسخرها وسيرها، قال بعد ذلك:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ} ، فالذي"يفعل هذه الأفعال معبودكم أيها الناس، الذي لا تصلح العبادة إلا له، وهو الله ربكم"
(3)
.
(4)
.
فهذا استدلال واعتبار" بخلق الله تعالى وعجائب مصنوعاته المشاهدة، على انفراده تعالى بالإلهية المستلزم لانتفاء الإلهية عما لا تقدر على مثل هذا الصنع العجيب، فلا يحق لها أن تعبد ولا أن تشرك مع الله تعالى في العبادة إذ لا حق لها في الإلهية"
(5)
.
(1)
انظر: تفسير القرطبي: 14/ 79، وتفسير ابن كثير: 6/ 350.
(2)
فاطر: 13 - 14.
(3)
تفسير الطبري: 22/ 148.
(4)
الأنعام: 95 - 96.
(5)
التحرير والتنوير: 6/ 378، وانظر: تفسير ابن كثير: 3/ 304.