الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكنه يوجب الاعتراف بقدرة الله وإرادته ومشيئته وعلمه وحكمته وصفات كماله، ولا محيص عنه"
…
ثم ذكر جملة من عجائب البرح، وقال:"وإذا تأملت عجائب البحر وما فيه من الحيوانات على اختلاف اجناسها وأشكالها ومقاديرها ومنافعها ومضارها وألوانها" ....
ثم قال: "فما أعظمها من آية، وأبينها من دلالة، ولهذا يكرر سبحانه ذكرها في كتابه كثيراً، وبالجملة فعجائب البحر وآياته أعظم وأكثر من أن يحصيها إلا الله سبحانه، قال الله تعالى:{إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}
(1)
"
(2)
.
أولاً: توحيد الربوبية:
لما بين الله تعالى جهل المعرضين عن أدلة التوحيد ومناقشتهم وفساد تفكيرهم في ذلك، ذكر أدلة دالة على وجوده وقدرته التامة على خلق الأشياء المختلفة والمتضادة من الآيات الكونية التي يدركها ويشاهدها عيانا كل مخلوق، ومنها: البحار المالحة والعذبة، قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا}
(3)
فالله وحده هو "الذي جعل البحرين المتضادين متجاورين متلاصقين لا يمتزجان، هذا ماء زلال عذب شديد العذوبة، وهذا مالح شديد الملوحة، ولكن لا يختلط أحدهما بالآخر، قال تعالى:{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}
(4)
، وقال تعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا
(1)
الحاقة: 12 - 13.
(2)
مفتاح دار السعادة: 1/ 204 - 205.
(3)
الفرقان: 53.
(4)
الرحمن: 19 - 21.
أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}
(1)
"
(2)
.
وفي سورة النمل لما ذكر الله تعالى قصص بعض الأنبياء مع أقوامهم، ثم رد على المشركين ببيان الأدلة المختلفة على وحدانيته وتفرده بالخلق، وقدرته، وإخلاص العبادة له، قال تعالى:{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}
(3)
، فذكر منها مما يتعلق بالأرض وأنه جعل {خِلَالَهَا أَنْهَارًا} وجعل {بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا} ، ثم قال:{أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} أي: أيوجد إله مع الله فعل هذا وأبدع هذه الكائنات؟ ! بل أكثر هؤلاء المشركين لا يعلمون الحق فيتبعونه، ولا يعرفون قدر عظمة الإله المستحق للعبادة.
(4)
دليل على ربوبية الله تعالى، فإن خلق البحر على هذه الصفة العظيمة ميسرا للانتفاع بالأسفار فيه حين لا تغني طرق البر في التنقل عنه، فجعله قابلا لحمل المراكب العظيمة منها، أن يكون آية للناس على وجود الصانع ووحدانيته وعلمه وقدرته
(5)
.
(1)
النمل: 61.
(2)
التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، لوهبة بن مصطفى الزحيلي، دار الفكر المعاصر، دمشق، ط 2: 19/ 84، وانظر: التحرير والتنوير: 19/ 53.
(3)
النمل: 59 - 61.
(4)
لقمان: 31.
(5)
التحرير والتنوير: 21/ 190.
(1)
.
فهذه المخلوقات العظيمة، وما فيها من العبر دالة على كماله سبحانه وتعالى وإحسانه:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ} أي: الذي انفرد بخلقها وتسخيرها، وهو وحده المتصرف فيها، وهو الرب المألوه المعبود، الذي له الملك كله، وأن الذي يدعى من غير الله الله لا يملكون شيئاً"
(2)
.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن ملك الله عز وجل لا ينقص منه شيء ولو أعطى كل إنسان مسألته إلا كما ينقص البحر إذا أدخل فيه المخيط، وهذا من باب التوضيح والتقريب وإلا فملك الله أعظم من ذلك، وعن أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل قال:"يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك من ملكي شيئا، إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر"
(3)
.
(1)
فاطر: 12 - 14.
(2)
انظر: تفسير السعدي: 686.
(3)
صحيح مسلم، باب تحريم الظلم، كتاب البر والصلة والآداب: 4/ 1994 برقم (2577).