الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً: نسبة الحوادث إلى حركة النجوم:
سبق في المبحثين السابقين: الشمس والقمر
(1)
بيان أن من المخالفات العقدية نسبة الحوادث إلى حركة الشمس والقمر، وما تقتضيه هذه الحركة من السعود والنحوس، وما تعطيه من السعادة والشقاوة، وتهبه من الأعمار والأرزاق والآجال، والصنائع والعلوم والمعارف، والصور الحيوانية والنباتية والمعدنية، وسائر ما في هذا العالم من الخير والشر.
وكذلك يقال في نسبة الحوادث والسعود والنحوس إلى النجوم والبروج، فقد جعلوا لكل نجم ولكل برج من البروج تأثيراً في الحوادث وعلامة عليها، وربط لها بالاعتقادات الباطلة.
وقد كانت العرب إذا رمي بنجم تقول: ولد رجل عظيم، أو مات رجل عظيم، وتدعي نسبة ما يحدث في هذه المدة من مطر أو ريح أو برد أو حر إلى النجم الساقط، أو النجم الطالع
(2)
.
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمي بنجم فاستنار فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ماذا كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، كنا نقول: ولد الليلة رجل عظيم، ومات رجل عظيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته؛ ولكن ربنا تبارك وتعالى اسمه إذا قضى أمرا سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم ماذا قال، قال: فيستخبر بعض
(1)
ص: 270، 299.
(2)
انظر: كتاب الاستذكار، كتاب الاستسقاء، باب الاستمطار بالنجوم: 7/ 153.
أهل السماوات بعضا، حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا، فتخطف الجن السمع فيقذفون إلى أوليائهم ويرمون به، فما جاءوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يقرفون
(1)
فيه ويزيدون"
(2)
.
وعلم التنجيم ينقسم إلى قسمين
(3)
:
الأول: علم التأثير، وهو أن يستدل بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية; فهذا محرم باطل، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد"
(4)
.
وقال صلى الله عليه وسلم في الشمس والقمر: " إنهما آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته"
(5)
، فالأحوال الفلكية لا علاقة بينها وبين الحوادث الأرضية.
الثاني: علم التسيير، وهو ما يستدل به على الجهات والأوقات; فهذا جائز، وقد يكون واجبا أحيانا، كما قال الفقهاء: إذا دخل وقت الصلاة يجب على الإنسان أن يتعلم علامات القبلة من النجوم والشمس والقمر
(6)
،
(1)
قال النووي في شرح صحيح مسلم 14/ 226: هذه اللفظة ضبطوها من رواية صالح على وجهين: أحدهما: بالراء والثانى بالذال، ووقع فى رواية الأوزاعى وبن معقل الراء باتفاق النسخ، ومعناه يخلطون فيه الكذب، وهو بمعنى يقذفون.
(2)
صحيح مسلم، كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان: 4/ 1750 برقم (2229).
(3)
انظر: تيسير العزيز الحميد: 441، ، والقول المفيد على كتاب التوحيد: 1/ 519.
(4)
سنن أبي داود، كتاب الطب، باب في النجوم: 428 برقم (3905)، وسنن ابن ماجه، كتاب الأدب، باب في تعلم النجوم: 400 برقم (3726)، والإمام أحمد في مسنده: 5/ 41 برقم (2840)، وقال محققه: إسناده صحيح. وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود: 2/ 739.
(5)
سبق تخريجه: 5.
(6)
انظر: المغني: 2/ 102 وما بعدها، وروضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي، إشراف زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 3: 1/ 217.
قال الله تعالى: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}
(1)
(2)
.
ونسبة الحوادث إلى الكواكب على أقسام
(3)
:
القسم الأول: نسبة الفعل للكوكب، وادعاء أنه هو يفعل بذاته فهذا كفر أكبر؛ لأن الخلق والأمر لله وحده، كما قال تعالى:{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}
(4)
.
القسم الثاني: اعتقاد أن الفعل من عند الله، مع نسبته إلى الكوكب والنوء نسبة سبب، فهذا من الشرك الأصغر، وقد دلت الأدلة على تحريمه، منها:
قوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}
(5)
، فهذه الآية نزلت في الذين يقولون: مطرنا بنوء كذا، ولا ينسبونه إلى الله تعالى.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مطر الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر". قالوا: هذه رحمة الله، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا. قال: فنزلت هذه الآية: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} حتى بلغ {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}
(6)
"
(7)
.
وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة
(1)
النحل: 16.
(2)
الأنعام: 97.
(3)
انظر: تيسير العزيز الحميد: 394، والقول المفيد: 2/ 31، والتنجيم والمنجمون وحكم الإسلام في ذلك: 152 وما بعدها.
(4)
الأعراف: 54.
(5)
الواقعة: 82.
(6)
الواقعة: 75 - 82.
(7)
صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء: 1/ 84 برقم (73).
الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال:"هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب"
(1)
.
القسم الثالث: جعل الأنواء علامة على المطر مع عدم نسبته إليه لا قولاً ولا اعتقاداً، وهذا جائز، قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
(2)
، وقال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}
(3)
.
وقد دلت الآيات السابقة على جواز جعل الرياح علامة على المطر بحسب ما جرت به العادة، وكذلك الأنواء يجوز جعلها علامة على ما جرت به العادة، بشرط أن يعتقد أن النوء لا تأثير له في نزول المطر، ولا هو فاعل، وأن المنفرد بإنزاله هو الله وحده
(4)
.
وعن سعيد بن المسيب
(5)
رحمه الله قال: "قد حدثني من لا أتهم أنه شهد
(1)
صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء: 1/ 83 برقم (71).
(2)
الأعراف: 57.
(3)
الفرقان: 48.
(4)
انظر: تيسير العزيز الحميد: 395، والقول المفيد: 2/ 31.
(5)
هو: سعيد بن حزن بن المسيب القرشي المخزومي، عالم أهل المدينة، وسيد التابعين في زمانه، ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر رضي الله عنه، وقيل: لأربع مضين منها بالمدينة. وتوفي سنة 94.
انظر: سير أعلام النبلاء: 4/ 217، وشذرات الذهب: 1/ 370.