الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من بإزائهم من المشركين، ويأمر بإعداد الحصون وحفر الخنادق، وجميع المصالح. ويؤمِّر في كل ناحية أميراً يقلده أمر الحروب وتدبير الجهاد (1). فإذا ساءت العلاقة بين المسلمين وغيرهم من الكفار ووجدت دواعي القتال، وقرر الحاكم المسلم خوض المعركة مع العدو، فيجب حينئذ إنذار العدو بإعلان الجهاد أوإبلاغ الدعوة الإسلامية.
واختلف الفقهاء في
حكم إبلاغ الدعوة
على ثلاثة آراء:
الأول ـ يجب قبل القتال تقديم الدعوة الإسلامية مطلقاً، أي سواء بلغت الدعوة العدو أم لا، وبه قال مالك والهادوية والزيدية، لقوله تعالى:{ستُدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون} [الفتح:16/ 48].
الثاني ـ لا يجب ذلك مطلقاً، وهو رأي قوم كالحنابلة.
الثالث ـ تجب الدعوة لمن لم يبلغهم الإسلام، فإن انتشر الإسلام، وظهر كل الظهور، وعرف الناس لماذا يُدعون، وعلى ماذا يقاتلون، فالدعوة مستحبة تأكيداً للإعلام والإنذار، وليست بواجبة، وهذا رأي جمهور الفقهاء والشيعة الإمامية والإباضية. قال ابن المنذر: هو قول جمهور أهل العلم، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على معناه، وبه يجمع بين ما ظاهره الاختلاف من الأحاديث (2).
من الأحاديث التي توجب الإبلاغ: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:«ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً قط إلا دعاهم» (3) وما رواه سليمان بن
(1) المغني: 352/ 8.
(2)
راجع آثار الحرب للمؤلف، الطبعة الثالثة: ص 152 وما بعدها، الأحكام السلطانية للماوردي: ص35.
(3)
رواه أحمد والبيهقي وأبو يعلى والطبراني وعبد الرزاق، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: 304/ 5: ورجاله رجال الصحيح (راجع نيل الأوطار: 230/ 7 وما بعدها، نصب الراية: 378/ 3).
بريدة عن أبيه، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصيته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً .. ثم قال: وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن ما أجابوك، فاقبل منهم، وكف عنهم: ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك، فاقبل منهم، وكف عنهم
…
فإن أبوا فسلهم الجزية، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، وإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم
…
» الحديث (1).
ومن الأحاديث التي لا توجب الإبلاغ أو الدعوة إلى الإسلام: ما روي عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أغار على بني المُصطَلِق وهم غارّون (أي غافلون) وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم (2). ومنها ما رواه أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إليه فقال:«أغر على أبنى (3) صباحاً، وحرّق» (4) والغارة لا تكون مع الدعوة.
الحديثان الأولان وغيرهما يعتبران الدعوة إلى الإسلام شرطاً في جواز القتال، والحديثان الآخران يجيزان الإغارة على العدو بدون دعوة جديدة، نظراً لأنه سبق له بلوغ الدعوة، وإزاء هذا التعارض في الظاهر قال أرباب الرأي الأول والثاني: إن بعض الأحاديث ينسخ بعضها، أو يخصص الفعل بزمن النبوة.
(1) رواه الجماعة إلا البخاري، وصححه الترمذي (راجع نيل الأوطار، المرجع السابق، جامع الأصول: 201/ 3، نصب الراية: 380/ 3، سبل السلام: 46/ 4، الإلمام: ص 484).
(2)
رواه أحمد والشيخان (راجع نيل الأوطار، المرجع السابق، ص 232، جامع الأصول: 204/ 3، نصب الراية: 3ص 381، سبل السلام: ص 45، الإلمام: ص 486).
(3)
أبنى ـ كحبلى: موضع بفلسطين بين عسقلان والرملة.
(4)
رواه أبو داود وابن ماجه (راجع سنن أبي داود: 352/ 1، سنن ابن ماجه: ص 209، نصب الراية: 382/ 3، نيل الأوطار: 250/ 7).