الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 ـ حق الطاعة:
إذا بايع أكثرية المسلمين إماماً وجبت طاعته من الكل، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«يد الله على الجماعة» «ومن شذ شذ في النار» «من فارق الجماعة شبراً، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه» (2).
وبذل الطاعة مشروط بقيام الحاكم بواجباته التي ذكرت سابقاً، ومضمونها التزام أوامر الشريعة.
وحينئذ تصبح القوانين والتكاليف التي تصدر عن الحاكم واجبة التنفيذ، كالإلزام بالتجنيد الإجباري وفرض الضرائب على الأغنياء بالإضافة إلى الزكاة كلما دعت حاجة البلاد إلى ذلك.
ومصدر الالتزام بالطاعة آيات وأحاديث، منها قوله تعالى:{يا أيها الذين أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء:59/ 4] وأولو الأمر: الحكام والعلماء كما بين المفسرون والصحابة. ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «عليك بالسمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك» (3) «على المرء المسلم
(1) الأحكام السلطانية: ص 15.
(2)
حديث «يد الله مع الجماعة» أخرجه الترمذي عن ابن عمر، ورواه النسائي والطبراني عن عرفجة، وحديث «من شذ» رواه الترمذي عن ابن عمر:«يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار» وحديث «من فارق» رواه أحمد ورجاله ثقات بلفظ «من خرج من الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من رأسه» .
(3)
رواه البزار عن سعد بن عبادة، وفيه حصين بن عمر، وهو ضعيف جداً (مجمع الزوائد، 227/ 5) وللبخاري ومسلم والموطأ والنسائي عن عبادة بن الصامت: «با يعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، في العسر واليسر والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا .. » .
السمع والطاعة فيما أحب أو كره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» (1).
ولا يجوز الخروج عن الطاعة بسبب أخطاء غير أساسية لا تصادم نصاً قطعياً، سواء أكانت باجتهاد، أم بغير اجتهاد، حفاظاً على وحدة الأمة وعدم تمزيق كيانها أو تفريق كلمتها، قال عليه الصلاة والسلام:«ستكون هَنَات وهنات ـ أي غرائب وفتن وأمور محدثات ـ فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائناً من كان» وقال عليه السلام أيضاً: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه» «أيما رجل خرج يفرق بين أمتي فاضربوا عنقه» (2) رواهما مسلم عن عرفجة.
وبديهي أن الطاعة بقدر الاستطاعة لقوله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} [البقرة:286/ 2] وقال ابن عمر رضي الله عنه: «كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا: فيما استطعتم» (3).
وإذا أخطأ الحاكم خطأ غير أساسي لا يمس أصول الشريعة وجب على الرعية تقديم النصح له باللين والحكمة والموعظة الحسنة، قال عليه الصلاة والسلام:«الدين النصيحة قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم» (4) وقد حض رسول الله صلى الله عليه وسلم على إسداء النصح والمجاهرة بقول
(1) رواه أحمد وأصحاب الكتب الستة عن ابن عمر، ويلاحظ أن أحاديث الطاعة في غير معصية رويت بألفاظ: منها ما رواه الشيخان وأبو داود والنسائي عن علي: «لا طاعة لأحد في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف» ومنها ما رواه أحمد والحاكم عن عمران والحكم بن عمرو الغفاري: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» .
(2)
وانظر أحاديث لزوم الجماعة والنهي عن الخروج عن الأمة وقتالهم في مجمع الزوائد: 222/ 5 وما بعدها. وحديث «من أتاكم .. » رواه مسلم عن عرفجة بن شريح (شرح مسلم: 242/ 2).
(3)
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عمر (جامع الأصول: 168/ 1).
(4)
رواه مسلم عن أبي رقية تميم بن أوس الداري.
الحق، فقال:«أفضل الجهاد: كلمة حق عند سلطان جائر» (1)«من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» (2). فإن لم ينتصح وجب الصبر لقوله عليه السلام: «من رأى من أميره شيئاً، فكره فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً، فيموت إلا مات ميتة جاهلية» (3).
ولكن لا تجب الطاعة عند ظهور معصية تتنافى مع تعاليم الإسلام القطعية الثابتة، لقوله عليه الصلاة والسلام:«لا طاعة لأحد في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف» «لا طاعة لمن لم يطع الله» (4).
وهل تعالج الأخطاء الجوهرية المصادمة لأصول الإسلام بالثورة المسلحة من قبل الشعب؟
أذكر في الموضوع حديثين وأتبعهما بآراء الفقهاء وما يستنبط منهما.
الحديث الأول الذي أخرجه مسلم عن عوف بن مالك الأشجعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم. وشرار أئمتكم الذي تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم. قلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، لا، ما أقاموا فيكم الصلاة» .
(1) رواه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري، ورواه أحمد وابن ماجه والطبراني والبيهقي عن أبي أمامة، ورواه أحمد والنسائي والبيهقي عن طارق بن شهاب.
(2)
رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة عن أبي سعيد الخدري.
(3)
رواه الطبراني بلفظ آخر، وفيه متروك (مجمع الزوائد: 219/ 5).
(4)
سبق تخريجه قريباً.