الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استدل الحنفية على مذهبهم بأن الاستيلاء إنما يفيد الملك إذا ورد على مال مباح غير مملوك لأحد، وهذا المعنى لم يتوافر في الغنيمة؛ لأنها مملوكة للأعداء في الأصل، ولم تزل ملكيتهم عنها إلا بالإحراز بدار الإسلام.
واستدل غير الحنفية بأن سبب الملك هو الاستيلاء التام، وقد وجد فيفيد الملك، كالاستيلاء على سائر المباحات كالحطب والحشيش ونحوهما، ثم إن الأدلة الدالة على استحقاق الغنيمة عامة، مثل قوله تعالى:{واعلموا أنما غنمتم من شيء} [الأنفال:41/ 8] الآية (1).
وفي المرتبة الثانية ـ أي بعد الإحراز بدار الإسلام قبل القسمة: يتأكد الحق العام في الغنيمة ويستقر على ملك الغانمين، ولكن لا يثبت الملك أيضاً عند الحنفية.
ولهذا قالوا: لو مات أحد المجاهدين، يورث نصيبه، ولو باع الإمام شيئاً من الغنيمة أو قسمها، جاز، ولو لحقهم مدد لا يشاركون الغانمين، وإذا أتلف أحد شيئاً من الغنيمة يضمنه.
وفي المرتبة الثالثة ـ أي بعد الإحراز والقسمة يثبت الملك الخاص لكل واحد من المجاهدين فيما هو نصيبه؛ لأن القسمة إفراز الأنصباء وتعيينها (2).
أوجه الانتفاع بالغنيمة في دار الحرب:
إذا تم الاستيلاء على الغنائم، فلا بأس بالانتفاع بها عند الحنفية قبل الإحراز بدار الإسلام، وذلك بالأكل والشرب والعلف والحطب منها، لعموم حاجة الغانمين، سواء أكان المنتفع غنياً أم فقيراً؛
(1) المرجعان السابقان للشافعية (مغني المحتاج والمهذب)، المغني: 422/ 8.
(2)
راجع فتح القدير: 310/ 4، البدائع: 122/ 7، تبيين الحقائق: 252/ 3.
لأن في إلزام الغني حمل الطعام والعلف من دار الإسلام إلى دار الحرب، مدة الذهاب والإياب والإقامة، حرجاً عظيماً، فكانت الحاجة عامة.
ولا يباح لهم بيع شيء مما يباح الانتفاع به، إذ لا ضرورة إلى البيع، ولو باع أحدهم شيئاً ردّ ثمنه إلى الغنيمة، إن تم البيع قبل قسمة الغنيمة. أما بعد القسمة: فإن كان البائع غنياً تصدق بقيمة المبيع على الفقراء، لتعذر توزيعه على الغانمين، وإن كان البائع فقيراً أخذ القيمة؛ لأن المبيع، لو كان موجوداً، لكان له حق أكله.
وكذلك إذا فضل شيء من الطعام والعلف من الغانمين بعد الإحراز بدا ر الإسلام، فإنه قبل القسمة يرد إلى الغنيمة إن كان حامله غنياً، وإن كان فقيراً يأكل منه. أما بعد القسمة: فإن كان حامل الطعام أو العلف غنياً، تصدق به على الفقراء إن كان موجوداً، وبقيمته إن كان هالكاً، وإن كان فقيراً ينتفع به.
فإن لم يفضل شيء في يد من أخذ الطعام والعلف قبل الإحراز بدار الإسلام، فإنه لا يجوز الانتفاع بشيء من الغنيمة بعد الإحراز بدار الإسلام، لزوال المبيح، وهي الضرورة (1).
وأما ما عدا الطعام والعلف من الأموال: فلا يباح للمجاهدين أن يأخذوا شيئاً منها، لتعلق حق الجماعة بها، إلا أنه إذا احتاج أحدهم إلى استعمال شيء من السلاح أو الدواب أو الثياب، لصيانة سلاحه ودابته وثيابه، فلا بأس باستعماله، فإن استغنى عنه رده إلى المغنم؛ لأن المحظور يستباح للضرورة، والضرورة تقدر بقدرها (2).
(1) تبيين الحقائق، المرجع السابق: ص 252 وما بعدها. البدائع: 124/ 7، الكتاب مع اللباب: 121/ 4.
(2)
المراجع السابقة.