الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأغنياء بحسب الحاجة بالإضافة إلى فريضة الزكاة (1). لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن في المال حقاً سوى الزكاة» (2) وليس هنا مجال التفصيل (3).
وهذا المبدأ في الإسلام شامل لكل المواطنين، سواء أكانوا مسلمين أم ذميين كما أوضح الفقهاء (4) بدليل أن سيدنا عمر بن الخطاب أسقط الجزية عن شيخ من أهل الذمة، وفرض له من بيت المال ما يكفيه، وقال للخازن:(انظر هذا وضرباءه، فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته، ثم نخذله عند الهرم)(5). وجاء في كتاب خالد بن الوليد لأهل الحيرة: (وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنياً فافتقر، وصار أهل دينه يتصدقون عليه، طُرحت جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين وعياله، ما أقام بدار الهجرة ودار الإسلام)(6).
6 - تحقيق الحياة الطيبة للأفراد بالنظر الإسلامي:
65 ـ إن من أهم أصول النظام الاجتماعي الإسلامي هو تحقيق الحياة الطيبة الكريمة للناس، الجامعة بين خيري الدنيا والآخرة، والقائمة على أساس العمل
(1) الاعتصام للشاطبي: 121/ 2، المستصفى للغزالي: 140/ 1 - 142 ط التجارية، تفسير القرطبي: 232/ 2.
(2)
رواه الترمذي عن فاطمة بنت قيس، وقال: إسناده ليس بذاك، وروى ابن حزم عن ابن عمر أنه قال:(في مالك حق سوى الزكاة) ثم قال: وصح عن الشعبي ومجاهد وطاوس وغيرهم كلهم يقول: في المال حق سوى الزكاة، ثم ذكر أنه لا خلاف في هذا إلا عن الضحاك بن مزاحم وهو ليس بحجة (التلخيص الحبير: ص 177، أحكام القرآن للجصاص: 153/ 1، سنن الترمذي باب الزكاة: 21/ 3 ط حمص).
(3)
ر: زكاة، ضريبة.
(4)
مغني المحتاج، المكان السابق، نهاية المحتاج: 194/ 7.
(5)
منتخب كنز العمال من مسند أحمد: 309/ 2، الخراج لأبي يوسف: ص 126.
(6)
الخراج: ص 144.
الصالح مادياً ومعنوياً؛ إذ أن صلاح العمل يرتد أثره بالخير الكامل والسعادة والنعيم على الفرد والمجتمع، بدليل قوله تعالى:{من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن، فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [النحل:97/ 16]. والمقصود بالحياة الطيبة: توفر السعادة والرخاء والقناعة والغنى عن الغير والاتجاه إلى الله سبحانه، والبعد عن الضنك والتعب، قال عبد الله التستري:(الحياة الطيبة: هي أن ينزع عن العبد تدبيره، ويرد تدبيره إلى الحق) وقيل: هي الاستغناء عن الخلق والافتقار إلى الحق.
قال ابن كثير في تفسير الآية السابقة: (هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحاً وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من ذكر أو أنثى من بني آدم، وقلبه مؤمن بالله ورسوله، وأن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة، والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت (1).
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يعطى بها في الدنيا، ويثاب عليها في الآخرة. وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يعطى بها خيراً» (2) وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً» (3).
66 -
وطريق تحقيق الحياة الطيبة في الدنيا يتجلى من خلال النظرة إلي المال والعمل. أما نظرة الإسلام إلى المال فهو أنه مال الله. وأما نظرته إلى العمل فهو
(1) تفسير القرآن العظيم: 585/ 2.
(2)
رواه مسلم وأحمد (فيض القدير والفتح الكبير).
(3)
رواه مسلم وأحمد وابن عدي والترمذي عن أبي هريرة (كشف الخفا للعجلوني).
وسيلة القادر عليه لتحصيل الرزق، وقد حث القرآن عليه في قوله تعالى:{فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} [الملك:15/ 67] وطالبت السنة بإتقان الأعمال: «إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» (1) وبضرورة الحفاظ على الكرامة الشخصية وعزة النفس، جاء في الأحاديث:«لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يغدو إلى الجبل فيحتطب، فيبيع، فيأكل، ويتصدق خير له من أن يسأل الناس» (2)«اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس، فإن الأمور تجري بالمقادير» (3)«اليد العليا خير من اليد السفلى» (4)«ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس» (5)«لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مِرّة سوي» (6).
وأما المقصود من الزهد المرغب فيه في الإسلام، فمعناه العمل الإيجابي لنفع الآخرين ولو بترك السعادة الشخصية أو هو الاقتصار على السبل المشروعة المتميزة بالقناعة عند اصطدام المساعي وتنازع المصالح، قال شراح حديث:«ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس» (7): الزهد: هو الإعراض عن الشيء لاستصغاره وارتفاع الهمة عنه لاحتقاره، لقوله تعالى: {قل متاع
(1) رواه البيهقي في شعب الإيمان عن عائشة، قال السيوطي: حديث ضعيف (فيض القدير شرح الجامع الصغير).
(2)
رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة (الترغيب والترهيب: 592/ 1).
(3)
ذكره تمام في فوائده وابن عساكر في تاريخه عن عبد الله بن بسر (فيض القدير شرح الجامع الصغير والفتح الكبير).
(4)
رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عمر: (شرح مسلم: 124/ 7، الترغيب والترهيب: 585/ 1).
(5)
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة (الترغيب المرجع السابق: 589/ 1).
(6)
رواه الطبراني في الكبير والبزار وفيه ابن لهيعة وفيه كلام (مجمع الزوائد: 91/ 3).
(7)
حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي (الأربعين النووية).