الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
له سماع الدعوى فيها، متى ثبت ذلك باعتراف وإقرار، وكان في وسعه الوفاء بها لتمكنه وإيساره، لأن في تأخير أدائها منكراً هو منصوب لإزالته.
وأما أوجه الخلاف فهي أربعة:
الأول ـ ليس للمحتسب سماع الدعاوى الخارجة عن ظواهر المنكرات في العقود والمعاملات وسائر الحقوق والمطالبات، فهي من اختصاص القضاء.
الثاني ـ تقتصر الدعاوى التي يسمعها المحتسب على الحقوق المعترف بها، فأما ما يتداخله التجاحد والتناكر، فلا يجوز له النظر فيه، لأن الحاكم فيها يحتاج إلى سماع بيِّنة وإحلاف يمين، ولا يجوز للمحتسب أن يسمع بيِّنة على إثبات الحق، ولا أن يحلف يميناً على نفي الحق.
وهذان الوجهان يدلان على أن الحسبة أدنى رتبة من القضاء.
الثالث ـ للمحتسب أن ينظر فيما يختص به دون حاجة إلى مدّعٍ متظلم. أما القاضي فلا يحق له النظر في نزاع من دون ادعاء أو شكوى.
الرابع ـ عمل المحتسب يتسم بالشدة والسلاطة والقسوة، لأن الحسبة موضوعة للرهبة. وأما عمل القاضي فيتسم بالحلم والأناة والوقار، لأن القضاء موضوع للمناصفة.
وهذان الوجهان يدلان على أن الحسبة تزيد رتبة عن القضاء.
2 - المقارنة بين الحسبة وولاية المظالم:
هناك أيضاً نواحي شبه واختلاف بين هذين النظامين.
أما أوجه الشبه فهي:
الأول ـ موضوعهما يعتمد على الرهبة وقوة الصرامة المختصة بالسلطنة.
الثاني ـ للقائم بهما النظر في حدود اختصاصه من دون حاجة إلى متظلم. وأما أوجه الاختلاف فهي:
الأول ـ النظر في المظالم موضوع لما عجز عنه القضاة، والنظر في الحسبة موضوع لما لاحاجة لعرضه على القضاء.
الثاني ـ يجوز لوالي المظالم أن يحكم، ولا يجوز لوالي الحسبة أن يحكم.
وهكذا يظهر أن المظالم والقضاء والحسبة يكمل بعضها بعضاً، وتؤدي غاية موحدة هي تحقيق العدل والإنصاف وحفظ الحقوق والأموال والدماء، وتطبيق أحكام الشرع المحققة لسعادة الناس في الدنيا والآخرة، وإقامة المجتمع الإنساني الفاضل.
وليس للمحتسب تطبيق العقوبات الشرعية على ترك المعروف والواجبات وفعل المنكر والمحرمات سواء أكان حداً أم تعزيراً، فإن ذلك من اختصاص ولي الأمر، وتكون إقامة الحدود والتعازير، أي العقوبات على فعل محرم، أو ترك واجب على ولاة الأمور فقط، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتم إلا بالعقوبات الشرعية، فإن «الله يزَع بالسلطان ما يزَع بالقرآن» أي يردع، والتعزير أجناس، فمنه ما يكون بالتوبيخ والزجر بالكلام، ومنه ما يكون بالحبس، ومنه ما يكون بالنفي عن الوطن، ومنه ما يكون بالضرب.
والتعزير بالعقوبات المالية مشروع أيضاً في مواضع مخصوصة في مذهب مالك في المشهور عنه، ومذهب أحمد في مواضع، وأحد قولي الشافعي (1).
(1) الحسبة لابن تيمية: ص 46 - 57، الطرق الحكمية: ص 384 - 391.