الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولأنه عليه الصلاة والسلام أحرق البويرة: وهي موضع بقرب المدينة، ولأن في إرسال الماء ونحوه كسر شوكتهم وتفريق جمعهم.
ولا بأس برميهم بالنبال ونحوها من وسائل القتال الحديثة، البرية والبحرية والجوية، وإن كان فيهم مسلمون من الأسارى والتجار؛ لأن رميهم ضرورة، ويقصد الكفار بالضرب لا المسلمين؛ لأنه لا ضرورة في القصد إلى قتل مسلم بغير حق.
وكذا يجوز ضرب الكفار إن تترسوا بأطفال المسلمين وأسراهم، للضرورة وسداً لذريعة الفساد التي قد تترتب على ترك قتلهم، لكن يقصد الكفار بالضرب كما ذكر. وإن أصيب مسلم فلا دية ولا كفارة. ولاينبغي للمسلمين أن يستعينوا بالكفار على قتال الكفار، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن عائشة ـ لرجل تبعه يوم بدر:«ارجع فلن أستعين بمشرك» ؛ ولأنه لا يؤمن غدرهم، إذ العداوة الدينية تحملهم على الغدر إلا عند الاضطرار (1)، وقد أجاز الأكثرون من أتباع المذاهب الأربعة الاستعانة بالكافر على الكفار، إذا كان الكافر حسن الرأي بالمسلمين، أي وكانت القيادة للمسلمين. وقيد الشافعية ذلك أيضاً بالحاجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم ـ استعان بصفوان بن أمية يوم حنين، وتعاونت خزاعة مع النبي صلى الله عليه وسلم عام فتح مكة، وخرج قُزمان الظفري وهو من المنافقين مع الصحابة يوم أحد، وهو مشرك (2).
ما يجب على المجاهدين حال القتال:
يجب على المجاهدين حال التحام القتال، وفي أثناء المعركة، الثبات أمام عدوهم إذا غلب على ظنهم أنهم يقاومونهم، قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله
(1) البدائع: 100/ 7 وما بعدها، الكتاب مع اللباب: 117/ 4 وما بعدها.
(2)
نيل الأوطار: 136/ 7، القسطلاني شرح البخاري: 170/ 5.
كثيراً، لعلكم تفلحون} [الأنفال:45/ 8] وعلى المسلم أن يثبت أمام اثنين من الكفار، قال الله تعالى:{الآن خفف الله عنكم، وعلم أن فيكم ضعفاً، فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله، والله مع الصابرين} [الأنفال:66/ 8].
فإن غلب على ظن المقاتلين المسلمين أنهم سيُغلبون ويقتلون، فلا بأس أن يفروا من عدوهم منحازين إلى فئة يستنصرون بها من المسلمين. ولا عبرة بالعدد، حتى إن الواحد، إذا لم يكن معه سلاح، فلا بأس أن يفر من اثنين مسلحين، أو من واحد مسلح، أو بسبب عجز لمرض ونحوه، قال الله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً، فلا تولوهم الأدبار، ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال، أو متحيزاً إلى فئة، فقد باء بغضب من الله، ومأواه جهنم وبئس المصير} [الأنفال:16/ 8](1).
ويؤيده ما روى ابن عمر قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية قِبَل نجد، وأنا فيهم، فحاص المسلمون حيصة (يعني انهزموا من العدو) فلما قدمنا المدينة، قلنا: نحن الفرّارون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أنتم العكّارون (2) في سبيل الله، أنا لكم فئة، لترجعوا معي إلى الجهاد في سبيل الله» (3)، فهذا إقرار من الرسول صلوات الله وسلامه عليه لفعل هذه السرية التي لم تستطع متابعة القتال أمام قوة الأعداء، وإن كانت حالة الحرب ما زالت قائمة معهم.
ويحرم على المسلمين بيع أهل الحرب السلاح والكُرَاع (الخيول) ونحوها من وسائل القتال التي تقوي العدو كالحديد، ولا يتاجر بها إلى الأعداء (4).
(1) آثار الحرب: ص 750 وما بعدها، البدائع: 98/ 7 وما بعدها.
(2)
العكارون: العطافون الراجعون إلى الجهاد مرة أخرى.
(3)
رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن ابن عمر (جامع الأصول: 222/ 3، نيل الأوطار: 252/ 7).
(4)
الكتاب مع اللباب: 123/ 4.