الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحت سلطته، وعلى القاضي أن يتفقد آلة القتل منعاً للتعذيب (1)، أي أن تدخل ولي الدم يقتصر على الدور الذي يقوم به الجلاد أو السياف، دون أن يكون له الحق في تسلم القاتل يفعل به كما يرى، كما تصور بعض الجاهلين.
و
في نطاق القضايا المدنية:
يقتصر حق الدائن على المطالبة بحقه بالتراضي، أو بواسطة رفع الدعوى إلى القضاء لاستصدار حكم يجبر المدين على إيفاء دينه في حال يساره وقدرته على الوفاء بالتزامه. وينتظر في حال إعساره وعجزه، لقوله تعالى:{وإن كان ذو عسرة فنظِرة إلى ميسرة} [البقرة:280/ 2].
وللقاضي إجبار المدين على الوفاء بدينه بأحد الوسائل الآتية:
الحبس
، و
الحجر
، والبيع الجبري.
أما الحبس فمشروع إذا امتنع المدين الموسر عن الوفاء بدينه، لقوله صلى الله عليه وسلم:«ليُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته» (2) أي أن مماطلة الغني تجيز الطعن به ومعاقبته. ويؤيده حديث آخر: «مَطْل الغني ظلم» (3).
ويظل المدين المماطل عند أبي حنيفة محبوساً حتى يوفي دينه. وقال صاحباه وبقية أئمة المذاهب: يحبس للتضييق عليه، فإذا لم يؤد الدين يحجر عليه ويباع ماله جبراً عنه، ويقسم بين الدائنين قسمة غرماء. وإذا ثبت إعساره يفرج عنه. ونظرة الميسرة والإفراج حال الإعسار دليل على أن الحبس مجرد وسيلة إكراه على الوفاء بالدين، وليس تنفيذاً على شخص المدين، كما هو الحال عند الرومان.
وأما الحجر على المدين (أي منعه من التصرف بماله تصرفاً يضر بمصلحة
(1) انظر نظرية الضمان للمؤلف: ص 299 وما بعدها.
(2)
رواه أبو داود والنسائي عن عمرو بن الشريد، وعلقه البخاري، وصححه ابن حبان، وأخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقي (سبل السلام: 55/ 3).
(3)
رواه الجماعة: (أحمد وأصحاب الكتب الستة) عن أبي هريرة (نيل الأوطار: 236/ 5).
الدائنين) فأجازه صاحبا أبي حنيفة إذا كانت ديونه مستغرقة أمواله، أو كان يماطل في الوفاء بديونه. وأفتى به متأخرو الحنفية سداً للذرائع، أي حماية لمصلحة الدائنين من تصرفات المدين التي تضر بحقوقهم، وعملاً بقوله صلى الله عليه وسلم:«لي الواجد يحل عرضه وعقوبته» .
وأيد الحجر فقهاء المالكية والمتأخرون من فقهاء المذهب الحنبلي استحساناً. ووافق الإمام الشافعي على جواز الحجر على المدين إذا كانت ديونه مستغرقة. وأما في حالة مماطلته فلا يرى لزوماً له؛ لأن القاضي يستطيع الحكم عليه ببيع أمواله جبراً عنه، وإيفاء ديونه من ثمنها.
ولا حجر على المدين المعسر، كما لا حبس عليه كما سبق. وأما بيع مال المدين جبراً عنه فهو جائز عند الفقهاء الذين أجازوا الحجر عليه في الحالتين السابقتين.
فقد أجاز صاحبا أبي حنيفة بيع أموال المدين إذا قرر القاضي الحجر عليه، ولم يجد مسوغاً لتأجيل البيع، أو متى طلب الدائنون ابتدءً ذلك، وأبدوا أسباباً معقولة لطلبهم. ويقسم الثمن بين الدائنين قسمة غرماء.
ووافق المالكية على رأي الصاحبين، وأجاز الشافعي والحنابلة بيع المال ابتداء للمدين الموسر دون حجر عليه.
ويتم البيع في جميع الأحوال بمعرفة القاضي وبحضور الدائنين والمدين وفي سوق السلعة، أو في غير سوقها بثمن المثل، وبالمزاد العلني للوصول إلى أعلى سعر ممكن.
هذه هي أهم قواعد نظام القضاء في الإسلام، أوجزتها في بحث نظام الحكم في الإسلام، وقد كنت فصَّلت الكلام في القضاء وطرق إثبات الحق في الباب الخامس المتقدم.