الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما القهر: فهو أن يصير مأسوراً في يد عدو قاهر لا يقدر على الخلاص منه، فيمنع ذلك من ترشيحه للخلافة. فإن أسر بعد انعقاد الإمامة له، وجب على كافة الأمة استنقاذه من الأسر، ولا يخلع من الإمامة إلا إذ يئس المسلمون من استخلاصه من الأسر.
سابعاً ـ النسب وهو أن يكون المرشح للخلافة من قريش
، وهذا الشرط مختلف فيه (1)، أما الشروط السابقة فمتفق عليها في الجملة.
فقال أهل السنة: يجب كونه من قريش لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الأئمة من قريش» «قدموا قريشاً ولاتقدموها» «لا يزال هذا الأمر في هذا الحي من قريش ما استقاموا» أو «ما أقاموا الدين» (2).
وقال الخوارج، والمعتزلة بعدهم: إن الإمامة حق لكل مسلم متى استكمل الشروط الأخرى.
ولكن يلاحظ أن الفقهاء الشرعيين الذين نظروا إلى شرط النسب في الإمامة، وفي بعض الأحكام الخاصة كالكفاءة بين الزوجين في الزواج، لا يتنافى رأيهم مع مبدأ المساواة المقرر في الإسلام بين الناس؛ لأن المساواة مطلوبة فيما ثبت للأفراد من الحقوق أو كلفوا به من الواجبات. وقضية الإمامة والكفاءة روعي فيها
(1) الأحكام السلطانية للماوردي: ص 4، مقدمة ابن خلدون: ص 162، الفصل 26، الملل والنحل للشهرستاني: 199/ 1، أصول الدين للبغدادي: ص 275، المواقف: 392/ 8.
(2)
حديث «الأئمة من قريش» رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني عن بكير بن وهب، وأخرج مسلم عن جابر:«الناس تبع لقريش في الخير والشر» وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة: «الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم لمسلمهم، وكافرهم لكافرهم» وروى الطبراني عن علي: «قدموا قريشاً ولا تقدموها» وروى الطبراني عن ثوبان «استقيموا لقريش ما استقاموا لكم
…
» (مجمع الزوائد: 228/ 5، الترغيب والترهيب: 170/ 3).
عرف الناس وعاداتهم وتوفير المصلحة التي لا يعقبها نزاع، وكون الحق فيها مقصوراً على من حددهم الشرع لحكمة معينة (1).
وبما أن قريشاً كانت لها الصدارة بين العرب، وتألف شؤون المدنية والاجتماع ويتبعها أكثر الناس، وكلمتها نافذة بين القبائل منذ الجاهلية، فمن المصلحة إناطة الأمر العام والسياسة بها، فإذا تغير الأمر وأصبحت الغلبة لمن ترضى عنه أكثرية الناس بالانتخاب ونحوه، فلا مانع في تقديري من عقد الإمامة له، كالخلافة العثمانية ونحوها.
ومن هنا رأى ابن خلدون أن الحكمة في اختصاص قريش بهذه الميزة هي كونها صاحبة العصبية التي تكون بها الحماية والمطالبة، ويرتفع الخلاف والفرقة بوجودها لصاحب المنصب، فتسكن إلىه الملة وأهلها، وينتظم حبل الألفة فيها.
وعقب الدكتور ضياء الدين الريس وغيره على ذلك بأن الإسلام لما لم يقر فكرة العصبية كغاية في التشريع أو كأساس في تكوين المجتمعات، فإن المعول عليه توفير القوة والطاعة، وبما أن ذلك لم يعد يعتمد على العصبية كما كان في الماضي، بل أصبح مستمداً من نظام الدولة وما تملك من جيوش، فإن هذا الشرط لم يعد ضرورياً، ويكفي أن يختار الخليفة بالطريقة المشروعة، وأن يحوز رضا المسلمين.
ويلزم من هذا أن يكون الشرط الآن هو أن القائم بأمور المسلمين يجب أن يكون متبوعاً من الكثرة الغالبة، ليكون مطاعاً مرضياً عنه، ذا قوة مستمدة من الإرادة العامة، فيترتب على وجوده حصول الوحدة، وتنتفى دواعي الخلاف (2).
(1) قارن النظريات السياسية الإسلامية للدكتور الريس: ص 254، حيث اعتبر شرط النسب منافياً لمبدأ المساواة المقرر في الآيات والأحاديث النبوية.
(2)
النظريات السياسية، المرجع السابق: ص 257، السلطات الثلاثة للدكتور سليمان الطماوي: ص259 وما بعدها.