الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واختلفوا بعدئذ على رأيين فيما إذا نكل المدعى عليه عن اليمين، هل يقضى للمدعي بنكول صاحبه عن اليمين، أم ترد اليمين إلى المدعي، فيقضى له بيمينه وشاهد واحد يقدمه للشهادة؟ قال الحنفية والحنابلة: يقضى بالنكول في الأموال، وقال الجمهور: لا يقضى بالنكول، وترد اليمين على المدعي.
الرأي الأول ـ للحنفية والحنابلة في المشهور عندهم:
قال الحنفية والحنابلة (1): إذا نكل المدعى عليه عن اليمين، فإنه يقضى عليه بالمال، لكن ينبغي للقاضي أن يقول له:(إني أعرض عليك اليمين ثلاث مرات، فإن حلفت وإلا قضيت عليك) لاحتمال خشية القضاة ومهابة المجلس في المرة الأولى. ولا يقضى عند الحنفية بالشاهد واليمين ويقضى بها عند الحنابلة.
ودليلهم على القضاء بالنكول: أن القاضي شريح قضى على رجل بالنكول، فقال المدعى عليه: أنا أحلف، فقال شريح: مضى قضائي. وكانت لا تخفى قضاياه على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر، فيكون إجماعاً منهم على جواز القضاء بالنكول. وقضى عثمان على ابن عمر بالنكول. ورد عليه عبداً معيباً اشتراه منهم حينما نكل، ولأنه ظهر صدق المدعي في دعواه عند نكول المدعى عليه، فيقضى له، كما لو أقام البينة.
واستدلوا على عدم مشروعية رد اليمين إلى المدعي بالحديث السابق: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» جعل جنس اليمين على المنكر، فتشمل كل مدعى عليه.
(1) البدائع: 225/ 6، 230، تكملة فتح القدير: 155/ 6، الطرق الحكمية: ص 116، المغني: 235/ 9.
واستدل الحنفية على عدم مشروعية القضاء بشاهد ويمين بما يأتي من الكتاب والسنة والمعقول.
1 ً - الكتاب: وهو قوله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين، فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء} [البقرة:282/ 2] وقوله سبحانه: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق:2/ 65] الله سبحانه طلب إشهاد اثنين ولم يذكر الشاهد واليمين، فقبولهما زيادة على النص، والزيادة على النص نسخ، ونسخ القرآن لا يجوز إلا بمتواتر أو مشهور، ولا يجوز بخبر الواحد، وليس خبر رد اليمين متواتراً أو مشهوراً، وإنما هو خبر آحاد.
2 ً - السنة: حديث مسلم وأحمد «ولكن اليمين على المدعى عليه» وحديث البيهقي «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» وقوله صلى الله عليه وسلم لمدعٍ في حديث الجماعة: «شاهداك أو يمينه» . الحديث الأول أوجب اليمين على المدعى عليه فقط، وجعل كل جنس اليمين على المنكر، فإذا قبلت يمين من المدعي، لم تكن جميع حالات اليمين على المنكرين. وكذلك الحديث الثاني جعل جميع أفراد البينة على المدعي، وجميع أفراد اليمين على المنكر، والقسمة والتوزيع تنافي اشتراك الخصمين فيما تمت فيه القسمة. والحديث الثالث خيَّر المدعي بين أمرين لا ثالث لهما إما البينة أو يمين المدعى عليه.
3 ً - المعقول: إن اليمين تقوم مقام الشاهد الثاني، ولو جاز ذلك، لجاز تقديم اليمين كأحد الشاهدين على الآخر، ولكن لا يجوز تقديمه، فلا يصح أن يكون قائماً مقامه.