الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتقبل شهادة الصديق لصديقه باتفاق الفقهاء، والصديق: من صدق في ودادك، بأن يسرَّه ما يسرك، ويضره ما يضرك، ويهمه مايهمك. وقبول شهادته، لضعف التهمة بالنسبة إليه، بعكس شهادة الأصل للفرع، وبالعكس ونحوهما (1).
وأما
الشرائط الخاصة ببعض الشهادات دون بعض
، فأهمها مايأتي:
1 - العدد في الشهادة بما يطلع عليه الرجال
، لقوله تعالى:{واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين، فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء} [البقرة:282/ 2] وذلك في الحقوق المدنية، مالاً كان الحق، أو غير مال، مثل النكاح والطلاق والعدة والحوالة، والوقف، والصلح، والوكالة، والوصية، والهبة، والإقرار، والإبراء، والولادة، والنسب، فهذه الحقوق تثبت عند الحنفية بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين. وقبول شهادة المرأة هنا لتوافر أهلية الشهادة عندها: وهي الشهادة والضبط والأداء. والسبب في جعل المرأتين في مقام رجل في الشهادة: هو نقصان الضبط بسبب زيادة النسيان، كما في قوله تعالى:{أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} [البقرة:282/ 2](2).
وقال الشافعية والمالكية والحنابلة: لا تقبل شهادة النساء مع الرجال إلا في الأموال وتوابعها كالبيع والإجارة والهبة والوصية والرهن والكفالة؛ لأن الأصل عدم قبول شهادة النساء لغلبة العاطفة عليهن، واختلال ضبط الأمور، وقصور
(1) راجع المبسوط: 120/ 16 ومابعدها، البدائع: 272/ 6، فتح القدير: 31/ 6 وما بعدها، الدر المختار: 392/ 4 ومابعدها، اللباب: 60/ 4 وما بعدها، بداية المجتهد: 452/ 2 ومابعدها، الشرح الكبير: 168/ 4 وما بعدها، المهذب: 329/ 2 وما بعدها، مغني المحتاج: 433/ 4 وما بعدها، المغني: 185/ 9، 191.
(2)
فتح القدير: 7/ 6، البدائع: 277/ 6، الكتاب مع اللباب: 55/ 4 ومابعدها.
الولاية على الأشياء. أما ما ليس بمال ولا يقصد منه المال ويطلع عليه الرجال كالنكاح والرجعة والطلاق والوكالة وقتل العمد والحدود سوى حد الزنا، فلا يثبت إلا بشاهدين ذكرين، لقوله تعالى في الرجعة:{وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق:2/ 65] ولما روى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» (1) وعن الزهري أنه قال: «جرت السنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده ألا تقبل شهادة النساء في الحدود والدماء» (2) قال الشافعية: فدل النص على الرجعة والنكاح والحدود، وقسنا عليها كل ما لا يقصد به المال ويطلع عليه الرجال (3).
وفي حد الزنا: أجمع العلماء على أنه لا يثبت بأقل من أربعة شهود رجال عدول أحرار مسلمين، لقوله تعالى:{لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء، فإذ لم يأتوا بالشهداء، فأولئك عند الله هم الكاذبون} [النور:13/ 24] وقوله سبحانه: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} [النساء:15/ 4] وقوله عز وجل: {ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} [النور:4/ 24].وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أربعة شهود، وإلا حد في ظهرك» (4).
(1) أخرجه البيهقي وابن حبان والطبراني في الأوسط عن عمران بن حصين وعائشة وأبي هريرة وجابر وغيرهم، وذكر السيوطي تصحيحه (الجامع الصغير: 204/ 2، نصب الراية: 167/ 3، مجمع الزوائد: 286/ 4).
(2)
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن الزهري، وأخرجه عبد الرزاق عن علي، قال:«لا تجوز شهادة النساء في الحدود والدماء» (نصب الراية: 79/ 4).
(3)
المهذب: 333/ 2، بداية المجتهد: 454/ 2، المغني: 149/ 9 ومابعدها، الطرق الحكمية: ص 152 وما بعدها.
(4)
رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده عن أنس بن مالك، وأخرجه البخاري عن ابن عباس بلفظ:«البينة وإلا حد في ظهرك» (نصب الراية: 306/ 3).
وفي سائر الحدود الأخرى والقصاص اتفق الجمهور على أنها تثبت بشهادة رجلين لقوله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} [البقرة:282/ 2] ولا تقبل فيها شهادة النساء لا مع رجل، ولا مفردات.
وقال الظاهرية: تقبل شهادة النساء مع رجل في الحدود إذا كان النساء أكثر من واحدة، عملاً بظاهر الآية:{فإن لم يكونا رجلين، فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء} [البقرة:282/ 2].
وأما مالايطلع عليه إلا النساء، فتقبل فيه شهادة النساء، لما روي:«أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القابلة» (1) ولما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن الزهري، قال:«مضت السنة أن تجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن، من ولادات النساء وعيوبهن» (2).
واختلف في تحديد تلك الحالات، فقال الحنفية: تقبل شهادة النساء في الولادة والبكارة وعيوب النساء في موضع لا يطلع عليه الرجال، ولا تقبل شهادتهن منفردات على الرضاع؛ لأنه يجوز أن يطلع عليه محارم المرأة من الرجال، ولا تقبل شهادتهن عند أبي حنيفة على استهلال الصبي بالنسبة للإرث؛ لأن الاستهلال صوت الصبي عند الولادة، وهو مما يطلع عليه الرجال، فلا تكون شهادتهن فيه حجة، لكن تقبل شهادتهن في صلاة الجنازة على المولود؛ لأن الصلاة من أمور الدين، وشهادتهن فيها حجة كشهادتهن على هلال رمضان.
(1) رواه الدارقطني في سننه عن حذيفة بن اليمان، وفيه رجل مجهول، ورواه الطبراني في الأوسط، قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفه، وقال في التنقيح: هو حديث باطل لا أصل له (راجع نصب الراية: 80/ 4، مجمع الزوائد: 201/ 4).
(2)
ورواه ابن أبي شيبة أيضاً (نصب الراية: 80/ 4).