الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما
الشروط المتفق عليها
بين أئمة المذاهب فهي أن يكون القاضي عاقلاً بالغاً، حراً، مسلماً، سميعاً بصيراً ناطقاً، عالماً بالأحكام الشرعية.
أولاً ـ أهلية البلوغ والعقل: حتى تتحقق فيه المسؤولية عن أقواله وأفعاله، وليستطيع إصدار الحكم في الخصومات على غيره، قال الماوردي:«ولايكتفى فيه بالعقل الذي يتعلق به التكليف من علمه بالمدركات الضرورية، حتى يكون صحيح التمييز، جيد الفطنة، بعيداً عن السهو والغفلة، يتوصل بذكائه إلى إيضاح ما أشكل وفصل ما أعضل» .
ثانياً ـ الحرية: لأنه لاتصح ولاية العبد على الحر؛ لما فيه من نقص يمنع انعقاد ولايته على غيره. ولم يعد هذا الشرط ذا موضوع الآن.
ثالثاً - الإسلام: لأن القضاء ولاية، ولا ولاية لغير المسلم على المسلم، فلا تقبل شهادته عليه، لقوله تعالى:{ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً} [النساء:141/ 4]. وأجاز أبو حنيفة
تقليد غير المسلم القضاء بين أهل دينه (1).
رابعاً ـ سلامة الحواس من السمع والبصر والنطق ليتمكن من أداء وظيفته، فيميز بين المتخاصمين، ويعرف المحق من المبطل، ويجمع وسائل إثبات الحقوق، ليعرف الحق من الباطل.
خامساً ـ العلم بالأحكام الشرعية: بأن يعلم بفروع الأحكام الشرعية ليتمكن من القضاء بموجبها.
وأما
الشروط المختلف فيها
فهي ثلاثة: العدالة، والذكورة، والاجتهاد.
(1) ما يجري عليه العمل الآن من تولية الذميين منصب القضاء حتى بين المسلمين مأخوذ مما قررته لجنة مجلة الأحكام العدلية عملاً بقبول شهادته على المسلم للضرورة.
أما العدالة (1): فهي شرط عند المالكية والشافعية والحنابلة، فلا يجوز تولية الفاسق، ولا مرفوض الشهادة بسبب إقامة حد القذف عليه مثلاً، لعدم الوثوق بقولهما، قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة، فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} [الحجرات:6/ 49] فإذا لم تقبل الشهادة من امرئ فلأن لا يكون قاضياً أولى.
وقال الحنفية: الفاسق أهل للقضاء، فلو عين قاضياً صح قضاؤه للحاجة، لكن ينبغي ألا يعين، كما في الشهادة ينبغي ألا يقبل القاضي شهادة فاسق، لكن لو قبل ذلك منه جاز، مع وقوعه في الإثم. وأما المحدود في القذف فلا يعين قاضياً ولا تقبل شهادته عندهم.
وأما الذكورة: فهي شرط أيضاً عند المالكية والشافعية والحنابلة، فلا تولى امرأة القضاء؛ لأن القضاء ولاية، والله تعالى يقول:{الرجال قوامون على النساء} [النساء:34/ 4] وهو يحتاج إلى تكوين رأي سديد ناضج، والمرأة قد يفوتها شيء من الوقائع والأدلة بسبب نسيانها، فيكون حكمها جوراً، وهي لا تصلح للولاية العامة لقوله صلى الله عليه وسلم:«لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» (2).
وقال الحنفية: يجوز قضاء المرأة في الأموال، أي المنازعات المدنية؛ لأنه تجوز شهادتها فيها. وأما في الحدود والقصاص، أي في القضاء الجنائي، فلا تعين قاضياً؛ لأنه لا شهادة لها في الجنايات، وأهلية القضاء تلازم أهلية الشهادة.
(1) العدالة كما قال الماوردي في الأحكام: ص 62: هي أن يكون صادق اللهجة، ظاهر الأمانة، عفيفاً عن المحارم، متوقياً المآثم، بعيداً عن الريب، مأموناً في الرضا والغصب، مستعملاً لمروءة مثله في دينه ودنياه».
(2)
رواه أحمد والبخاري والترمذي والنسائي عن أبي بكرة.
وأجاز ابن جرير الطبري قضاء المرأة في كل شيء لجواز إفتائها (1) ورد عليه الماوردي بقوله: ولا اعتبار بقول يرده الإجماع مع قول الله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض} [النساء:34/ 4] يعني في العقل والرأي، فلم يجز أن يقمن على الرجال (2).
وأما الاجتهاد (3): فهو شرط عند المالكية والشافعية والحنابلة وبعض الحنفية، كالقدوري، فلا يولى الجاهل بالأحكام الشرعية ولا المقلِّد (4)؛ لأن الله تعالى يقول:{وأن احكم بينهم بما أنزل الله} [المائدة:49/ 5]{لتحكم بين الناس بما أراك الله} [النساء:105/ 4]{فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء:59/ 4] ولأن الاجتهاد يستطيع به المجتهد التمييز بين الحق والباطل، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار. فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق، فقضى به. ورجل عرف الحق وجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار» (5) والعامي يقضي على جهل.
وأّهلية الاجتهاد تتوافر بمعرفة ما يتعلق بالأحكام من القرآن والسنة وإجماع الأمة، واختلاف السلف، والقياس، ولسان العرب. ولا يشترط الإحاطة بكل القرآن والسنة أو الاجتهاد في كل القضايا، بل يكفي معرفة ما يتعلق بموضوع النزاع المطروح أمام القاضي أو المجتهد.
(1) بداية المجتهد: 458/ 2.
(2)
الأحكام السلطانية: ص 61.
(3)
الاجتهاد: عملية استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية.
(4)
المقلد: هو من حفظ مذهب إمامه دون معرفة بأدلته.
(5)
رواه ابن ماجه وأبو داود عن بُرَيدة (نيل الأوطار: 263/ 8 وما بعدها).