الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخصومة والمنازعة فساد كبير، والله تعالى لا يحب الفساد (1). والأصل في مشروعيتها قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم، ودماءهم، لكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر» (2).
و
اشترط فقهاء الحنفية لقبول الدعوى
الشرائط الآتية (3):
أولاً ـ أهلية العقل أو التمييز: يشترط أن يكون المدعي والمدعى عليه عاقلين، فلا تصح دعوى المجنون والصبي غير المميز، كما لا تصح الدعوى عليهما، فلا يلزمان بالإجابة على دعوى الغير عليهما، ولا تسمع البينة عليهما. ويشترط توافر صفة البلوغ لممارسة أي حق عند غير الحنفية، أما القاصر فيمارس الدعوى عنه وليه.
ثانياً ـ أن تكون الدعوى في مجلس القضاء؛ لأن الدعوى لا تصح في غير هذا المجلس، أي المحكمة.
ثالثاً ـ أن تكون دعوى المدعي على خصم حاضر لدى القاضي عند سماع الدعوى والبينة والقضاء، فلا تقبل الدعوى على غائب، كما لا يقضى على غائب عند الحنفية، سواء أكان غائباً وقت الشهادة أم بعدها، وسواء أكان غائباً في مجلس القضاء، أم عن البلد التي فيها القاضي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«فإنما أقضي له بحسب ما أسمع» (4) وقوله لعلي حين أرسله إلى اليمن:: «لا تقض لأحد الخصمين حتى تسمع من الآخر» (5).
(1) المبسوط: 28/ 17، المغني: 272/ 9، مغني المحتاج، المرجع السابق.
(2)
رواه البيهقي وغيره هكذا، وبعضه في الصحيحين عن ابن عباس.
(3)
المبسوط: 39/ 17، تكملة فتح القدير، المكان السابق، و 141 وما بعدها، البدائع: 222/ 6، 224، الدر المختار: 438/ 4.
(4)
من حديث أم سلمة الذي رواه الجماعة (نيل الأوطار: 287/ 8).
(5)
رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن علي (نيل الأوطار: 274/ 8 وما بعدها).
وقال غير الحنفية: يجوز القضاء على الغائب إذا أقام المدعي البينة على صحة دعواه، وذلك في الحقوق المدنية، لا في الحدود الخالصة لله تعالى (1) لأنها مبنية على المسامحة والدرء والإسقاط، لاستغنائه تعالى، بخلاف حق الإنسان الخاص.
رابعاً: أن يكون المدعى به شيئاً معلوماً: وذلك إما بالإشارة إليه عند القاضي إذا كان الشيء من المنقولات، أو ببيان حدوده إذا كان قابلاً للتحديد، كالأراضي والدور وسائر العقارات، أو بذكر رقم محضر السجل العقاري في التنظيم الحديث الذي يستغنى به عن الحدود والأوصاف في الماضي، أو بكشف يجريه القاضي أو من ينوب عنه إذا لم يكن المدعى به قابلاً للتحديد كحجر الرحى (الطاحونة)، أو ببيان جنسه ونوعه وقدره وصفته إذا كان المدعى به ديناً كالنقود والحبوب؛ لأن الدين لا يصير معلوماً إلا ببيان هذه الأمور.
والسبب في اشتراط هذا الشرط، أي العلم بالمدعى به: هو أن المدعى عليه لا يلزم بإجابة دعوى المدعي إلا بعد معرفة المدعى به، وكذلك الشهود لا يمكنهم الشهادة على مجهول، ثم إن القاضي لا يتمكن من إصدار الحكم أو القضاء بالدعوى إلا إذا كان المدعى به شيئاً معلوماً.
خامساً: أن يكون موضوع الدعوى أمراً يمكن إلزام المدعى عليه به، أي أن يكون الطلب مشروعاً ملزماً في مفهومنا الحاضر. فإذا لم يكن بالإمكان إلزام المدعى عليه بشيء، فلا تقبل الدعوى، كأن يدعي إنسان أنه وكيل هذا الخصم الحاضر عند القاضي في أمر من أموره، أو يدعي على شخص بطلب صدقة، أو بتنفيذ مقتضى عقد باطل، فإن القاضي لا يسمع دعواه هذه إذا أنكر الخصم ذلك؛
(1) البدائع: 222/ 6، 8/ 7، تكملة فتح القدير: المكان السابق، المبسوط، المكان السابق، بداية المجتهد: 460/ 2، المهذب: 3/ 2، المغني: 110/ 9.