الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال سيدنا عمر: «ردوا الخصوم حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن» . وإن لم يتأمل القاضي الصلح من المتخاصمين، ولم يرضيا به، فلا يردهما إلى الصلح، ويتركهما على الخصومة، وينفذ القضاء على من قامت عليه الحجة (1).
المبحث السابع ـ انتهاء ولاية القاضي:
كل ما تنتهي به الوكالة، تنتهي به ولاية القاضي، كالعزل والموت، والجنون المطبق، وإنجاز المهمة الموكولة للشخص، إلا في شيء واحد، وهو أن الموكل إذا مات أو خلع ينعزل الوكيل، أما ولي الأمر إذا مات أو خلع، فلا ينعزل قضاته وولاته. والفرق بين الوكالة وولاية القاضي: أن الوكيل يعمل بولاية الموكل وفي حقه الخالص له، فإن زالت أهلية الولاية، بطلت الوكالة. أما القاضي فلا يعمل بولاية الإمام وفي حقه المجرد له، وإنما يعمل بولاية المسلمين وفي حقوقهم، وإنما الإمام بمنزلة النائب عنهم، وولاية المسلمين باقية بعد موت الإمام، فلو استخلف القاضي أحداً بإذن الإمام ثم مات القاضي، لا ينعزل خليفته؛ لأنه نائب الإمام، لا نائب القاضي (2).
المبحث الثامن ـ متى يجوز حبس المدين
؟ بينت في بحث التعزير أن الحبس جائز شرعاً لقوله عليه الصلاة والسلام: «مطل الغني ظلم» والظالم يحبس.
(1) البدائع، المرجع نفسه: ص13، مختصر الطحاوي: ص333.
(2)
البدائع: 16/ 7، 37/ 6 وما بعدها.
فإذا رفعت الدعوى إلى القاضي، وثبت الحق عنده على أحد المتخاصمين، وطلب صاحب الحق حبس غريمه، لم يعجل القاضي بحبسه، وإنما يعمل بما يأتي (1):
1ً - إذا ثبت لدى القاضي أن المدين معسر أو معدم لا مال له: لا يحكم بحبسه في الدين، باتفاق الفقهاء لقوله تعالى:{وإن كان ذو عسرة فنَظِرة إلى ميسرة} [البقرة:280/ 2] إذ لا فائدة من حبسه، فيكون ظلماً، وإنما يترك ليسعى في الأرض ويكتسب، فيتمكن من سداد دينه كله أو بعضه.
2ً - إذا كان مشكوكاً في أمر المدين، أهو معسر أم موسر، جاز حبسه عند جمهور الفقهاء حبس تلوم واختبار، إذا كان الدين من ديون المعاوضة (2) كثمن مبيع ودين قرض، وطلب غرماؤه حبسه، وادعوا أن له مالاً يخفيه أو ينكره. وينتهي هذا الحبس بالإفراج عن المدين إذا ثبت عسره، كالحالة السابقة، إذ لا حبس للمدين المعدم، ويكون حبسه حينئذ ظلماً، ولا يحول القاضي بينه وبين غرمائه بعد خروجه من الحبس، ولهم حق ملازمته.
3ً - إذا ثبت يسار المدين بالأدلة المعروفة، لم يأمر القاضي فوراً بحبسه، وإنما يأمره بأداء المال المستحق عليه لصاحبه؛ لأن الحبس جزاء المماطلة، فلا بد من ظهورها، إذا ثبت الحق بإقراره. أما إن ثبت الحق بالبينة، وامتنع من الوفاء بالدين المستحق، أو تأخر عن الدفع من غير ضرورة، جاز حبسه شهرين أو ثلاثة أو أكثر أو أقل بحسب تقدير القاضي لأحوال الأشخاص.
(1) اللباب شرح الكتاب: 82/ 4، الطرق الحكمية: ص 101 - 106.
(2)
أما إذا كان الدين من غير معاوضة كأرش الجناية ونفقة الأقارب، فلا يحبس المدين بسببه إذا ادعى الإعسار. ولم يجز ابن القيم هذه التفرقة ورفض الحبس في الحالتين، حتى يثبت موجبه، ويظهر أن هذا الرأي هو الأرجح تحقيقاً للعدالة.