الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظلموا منهم، وقولوا: آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد، ونحن له مسلمون} [العنكبوت:46/ 29].
حرية الفكر والقول:
رغب الإسلام في التفكير والنظر الطليق والتأمل في أسرار الكون للتوصل بالعقل والمنطق إلى إثبات الصانع وإثبات النبوة وفهم ما جاء به الأنبياء والرسل والإفادة من كنوز الأرض، وجعل التفكير فريضة إسلامية، والآيات القرآنية المطالبة باستخدام الفكر كثيرة، منها قوله سبحانه:{قل: انظروا ماذا في السموات والأرض} [يونس:101/ 10] وتختتم آيات كثيرة بعد بيان النظم الإسلامية في العقيدة وغيرها بأنها لقوم يعلمون، يعقلون، يتفكرون، يتدبرون، لأولي الألباب، ونحوها.
ومن أجل تثبيت الدعوة إلى الفكر وإقرار أحكام العقل السديد، ندد الله سبحانه بالتقليد في أصول العقائد والشرائع لتكون العقيدة عن وعي وإدراك وإذعان، فقال سبحانه:{وإذا قيل لهم: اتبعوا ما أنزل الله، قالوا: بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون} [البقرة:170/ 2]{أفلم يسيروا في الأرض، فتكون لهم قلوب يعقلون بها، أو آذان يسمعون بها، فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} [الحج:46/ 22].
وحرية الفكر تستتبع حرية الرأي والنقد والقول، وذلك واضح من مبدأ الإسلام في تكوين الشخصية الذاتية، والحض على صراحة القول، والأمر بالمعروف، وعدم إقرار المنكر، والجهر بالحق دون خشية من أحد أو مخافة لومة لائم، فلا يكون النقد حقاً فقط، وإنما هو واجب ديني أحياناً في ضوء مفاهيم الإسلام، وضرورة الحفاظ على أحكامه، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «الدين
النصيحة .. » (1) الحديث السابق ذكره. وقوله: «لا تكونوا إمَّعة (أي مع الناس) تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم: إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا» (2)«أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» (3).
وسيرة الخلفاء الراشدين في احترام حق النقد وضرورته خير شاهد عملي على إبراز قيمته وأهميته في الإسلام، كما قال عمر رضي الله عنه:«أيها الناس، من رأى فيَّ اعوجاجاً فليقوِّمه» فيجيبه أعرابي: والله يا أمير المؤمنين لو وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا هذه، فيقول أمير المؤمنين مغتبطاً:«الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من يقوِّم اعوجاج عمر بسيفه إذا اعوج» . وفي حادث آخر قال رجل لعمر: «اتق الله يا أمير المؤمنين، فرد عليه آخر: تقول لأمير المؤمنين: اتق الله؟! فقال عمر: دعه فليقلها، فإنه لا خير فيكم إذا لم تقولوها، ولا خير فينا إذا لم نسمعها منكم» .
والحرية لا تتجزأ في مفهوم الإسلام، ولا ينفصل جانب الدين فيه عن السياسة والمدنية وغيرها، فإن حدث خطأ في تطبيق أحكام الدين، أو خلل في خط السياسة الإسلامية، أو مصادره للحقوق المدنية في المعاملات الحرة والتصرفات الشخصية، كان لأي مسلم توجيه النقد فيه للحاكم ورده إلى الصواب، كما حصل من المرأة التي عارضت سيدنا عمر عندما أراد وضع حد لغلاء المهور، وجواب عمر لها بقوله:«أصابت امرأة وأخطأ عمر» . وكما حدث
(1) رواه مسلم عن أبي رقيَّة تميم بن أوس الداري.
(2)
رواه الترمذي عن حذيفة بن اليمان.
(3)
رواه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري، ورواه أحمد وابن ماجه والطبراني عن أبي أمامة، ورواه غيرهم.