الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
د ـ المساواة الكاملة بين الناس:
84 -
إن مبدأ المساواة في الإسلام عام شامل دون قيود ولا استثناءات، وأساس في نظام الحكم الإسلامي، وكان ذلك المبدأ جديداً بالنسبة للعرب، بل وكان يتعارض مع الشعور القبلي السائد (1)، فقررت الشريعة المساواة التامة في الحقوق والواجبات وأمام القانون والقضاء وفي المسؤوليات العامة والحقوق السياسية بين الأفراد، والجماعات، والأجناس، وبين الحاكمين والمحكومين، لا فضل لرجل على آخر إلا بالتقوى والعمل الصالح، ودون تفرقة بسبب الجنس أو اللون أو الطبقة (أي في الغنى والفقر) أو القوة والضعف، أو الحسب والنسب. الناس جميعاً في الشريعة متساوون على اختلاف شعوبهم وقبائلهم، كما هم متساوون في وحدة الأصل البشري (2) وبدليل قوله تعالى:{يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات:13/ 49] وهذا المفهوم أكده الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: «الناس سواء كأسنان المُشط» (3). «أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوى» (4)«كرم الرجل: دينه، ومروءته، وعقله وحسبه وخلقه» (5).
(1) مبادئ نظام الحكم في الإسلام للدكتور عبد الحميد متولي: ص 822.
(2)
تفسير ابن كثير: 218/ 4، تفسير الخازن: 190/ 6، التشريع الجنائي الإسلامي: 316/ 1، الديمقراطية الإسلامية للدكتور عثمان خليل ص 35، مبادئ نظام الحكم، المرجع السابق: ص 827.
(3)
أخرجه ابن لال والديلمي عن سهل بن سعد، والحسن بن سفيان وأبو بشر الدولابي والعسكري في الأمثال عن أنس (كشف الخفا للعجلوني وغيره).
(4)
رواه البيهقي عن جابر بن عبد الله وقال: في إسناده بعض من يجهل، ولأحمد عن أبي نضرة في معناه (الترغيب والترهيب: 612/ 3، مجمع الزوائد: 266/ 3 - 273).
(5)
رواه أحمد والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة (مجمع الزوائد: 251/ 10).
وطبق الرسول عليه الصلاة والسلام المبدأ أولاً على نفسه، فأعد نفسه للقوَد (القصاص) ممن جلده أو شتمه أو أخذ منه ماله بغير حق (1)، وكذلك فعل أبو بكر وعمر وبقية الخلفاء الراشدين، وكان الخليفة الراشدي يعلن مبدأ المساواة بصراحة في أول خطبة سياسية يلقيها بعد توليه الخلافة. وكان هذا المبدأ أهم المبادئ التي جذبت قديماً نحو الإسلام الكثير من الشعوب الأخرى، كما لاحظ بعض المستشرقين (2).
ولا شك أن تحقيق المساواة منوط باختصاص الحكومات لا باختصاص الأفراد، لاحتياج المبدأ إلى سلطان يقرره وقوة تحميه وتنفذ محتواه دون تحيز، ومع تجرد عن الأهواء والغايات الشخصية، قال عثمان بن عفان رضي الله عنه:(ما يزع السلطان أكثر مما يزعهم القرآن)(3).
85 -
والخلاصة: أن الإسلام يحرص على حماية حقوق الإنسان سواء في دار الإسلام أم في دارالحرب، ويحترم في الواقع مفاهيم الكرامة الإنسانية والحرية والعدالة والإخاء والتعاون والمساواة بين كل الناس، فتتعاون الدولة الإسلامية مع غيرها عند الدخول في علاقات تجارية ونحوها مع البلدان الأخرى، أو أثناء الإقامة بدار الحرب، أو وقت الاحتكاك بالشعوب أثناء الفتوح، أو عند اجتياز الحربيين لبلادنا وتمتعهم بالأمان فيها.
وهذا على عكس ما عليه الوضع الدولي الحاضر عند النظر إلى الواقع الملموس، فقد فقدت المبادئ المذكورة كثيراً من معانيها، وأصبحت معاييرها
(1) هذا معنى حديث رواه الفضل بن عباس (الكامل لابن الأثير: 154/ 2).
(2)
الدكتور عبد الحميد متولي، المرجع السابق: ص 823.
(3)
أخرجه رزين عن يحيى بن سعيد رحمه الله (جامع الأصول: 469/ 4) ويزع: يردع.