الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن اختلفوا أخذ بأحسن أقاويلهم وقضى بما رآه صواباً، إلا أن يكون غيره أفقه منه، فيجوز له الأخذ برأيه وترك رأيه الشخصي. وإن اعتمد على قول بعضهم، ثم رأى الصواب في قول الآخر، فله أن يعدل عن الرأي الأول؛ لأن الأمور الاجتهادية يجوز للقاضي أن يأخذ بأحد الآراء فيها قبل صدور الحكم. أما بعد الحكم فليس له أن يبطل الحكم الذي صدر منه؛ لأنه صار بالقضاء كالرأي المتفق عليه، ولكن له أن يعمل في المستقبل بخلاف الرأي السابق (1).
2ً -
التسوية بين الخصمين في المجلس والإقبال:
ينبغي أن يعدل القاضي بين الخصمين في الجلوس، والإقبال، فيجلسهما بين يديه، لا عن يمينه ولا عن يساره، وأن يسوي بينهما في النظر والنطق والإشارة والخلوة فلا يسارّ أحدهما أو يخلو به، ولا يشير إليه، ولا يلقنه حجة منعاً للتهمة، ولا يضحك في وجه أحدهما؛ لأنه يجترئ عليه، ولا يمازحهما ولا واحداً منهما؛ لأنه يذهب بمهابة القضاء، ولا يضيف أحدهما (2)، ولا يرفع صوته على أحدهما، ولا يكلم أحدهما بلغة لا يعرفها الآخر، وإذا تكلم أحدهما أسكت الآخر حتى يسمع كلامه، ويفهم، ثم يستنطق الآخر، حتى يفهم تماماً رأيه (3).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ابتلي بالقضاء بين المسلمين، فليسوِّ بينهم في
(1) البدائع: 11/ 7 وما بعدها، الدر المختار: 316/ 4، الكتاب مع اللباب: 81/ 4، أصول الفقه للمؤلف: 1115/ 2، ط دار الفكر.
(2)
روي إسحاق بن راهويه وعبد الرزاق والدارقطني والبيهقي وابن خزيمة في صحيحه عن الحسن عن علي قال: «إن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن نضيف الخصم إلا ومعه خصمه» ورواية البيهقي له بإسناد ضعيف منقطع، وله طريق آخر عند الطبراني في الأوسط عن علي، قال:«نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يضيف أحد الخصمين دون الآخر» وفيه ضعيف (نصب الراية: 73/ 4، تلخيص الحبير: 193/ 4 وما بعدها، مجمع الزوائد: 197/ 4).
(3)
البدائع، المرجع السابق: ص 9، المبسوط: 61/ 16، فتح القدير: 469/ 5.
المجلس، والإشارة والنظر، ولا يرفع صوته على أحد الخصمين أكثر من الآخر» (1).
وفي كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري: «آس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك» (2) وعن الحسن قال: «جاء رجل فنزل على علي رضي الله عنه، فأضافه، فلما قال: إني أريد أن أخاصم، قال له علي رضي الله عنه: تحول، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن نضيف الخصم إلا ومعه خصمه» (3)، وعن عبد الله بن الزبير قال:«سنة رسول الله؛ صلى الله عليه وسلم أن يجلس الخصمان بين يدي القاضي» ، وفي لفظ:«قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخصمين يقعدان بين يدي الحاكم» (4).
وكما أنه لا يصح تلقين الخصم حجته، يكره تلقين الشاهد، وهو أن يقول القاضي كلاماً يستفيد به الشاهد علماً على الحادثة، واستحسن أبو يوسف تلقين الشاهد الذي يستحي أو يحتار أو يهاب مجلس القضاء، فيترك شيئاً من شروط الشهادة، فيعينه القاضي بقوله:«أتشهد بكذا وكذا» بشرط عدم التهمة؛ لأن في التلقين إحياء للحق (5).
(1) رواه إسحاق بن راهويه في مسنده وأبو يعلى والدارقطني والطبراني عن أم سلمة، ولفظ الدارقطني:«من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لحظه وإشارته ومقعده» (فتح القدير، المرجع السابق، نصب الراية: 73/ 4، مجمع الزوائد: 197/ 4، تلخيص الحبير: 193/ 4).
(2)
روى الكتاب الدارقطني في سننيهما عن أبي المليح الهذلي، وروى بعضه ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ونقله ابن الجوزي في سيرة عمر بن الخطاب واعتمده ابن القيم في أعلام الموقعين (راجع نصب الراية: 63/ 4، 81، أعلام الموقعين: 85/ 1، أصول الفقه للمؤلف: 628/ 2، ط دار الفكر.
(3)
رواه إسحاق بن راهويه عن الحسن، ورواه أيضاً عبد الرزاق والدارقطني وغيرهم كما سبق في تخريجه قريباً (فتح القدير: 469/ 5، نصب الراية: 73/ 4).
(4)
رواه أبو داود وأحمد والبيهقي والحاكم عن عبد الله بن الزبير وفي إسناده ضعيف (نيل الأوطار: 274/ 8، تلخيص الحبير: 193/ 4).
(5)
فتح القدير، المرجع السابق: ص 470، البدائع: 10/ 7، اللباب: 81/ 4.