الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولأن المقصد من رسالة الإسلام هوإيجاد المجتمع الصالح الذي لا يكتفي بتوفير وسائل العيش أورفع مستوى المعيشة فقط، وإنما لا بد للدولة من العمل على ترقية الوجدان والحياة الخلقية لتقويم سلوك الأفراد، وتسديد نشاطهم العملي الذي يبوئهم خيري الدنيا والآخرة مع الشعور بالارتياح والطمأنينة لا بالقهر والقسر.
وعلى الدولة ـ باعتبارها حكومة القرآن ـ أن تسعى دائماً لتحقيق الأفضل والأصلح لمواطنيها في مختلف جوانب الحياة الإنسانية المادية والأدبية، فتقيم أركان الإسلام وتنشر الأمن وتدفع خطر الأعداء، وتسارع إلى إحراز التفوق في كل مجالات التقدم والمدنية والسبق العلمي وإشاعة الرخاء الاقتصادي، وتطوير الإنتاج والصناعة وأساليب الحياة الحديثة حتى يتحقق المجتمع الفاضل الذي يريد الإسلام إقامته من الناحيتين الدينية والدنيوية، قال الله عز وجل {وابتغ فيماآتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك، ولا تبغ الفساد في الأرض، إن الله لا يحب المفسدين} [القصص:77/ 28].
وجاء في الأثر: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً» (1).
9 - إعداد الدعاة لنشر الدعوة في الداخل والخارج:
70 -
إن الغاية السامية التي تعمل من أجلها الدولة الفاضلة: هي توحيد الله عز وجل وجمع الناس على الإيمان به، وتطهير الأرض من كل رجس وشرك، حتى تكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله. ويجب على الدولة تحقيق ذلك بكل الوسائل وإقامة النظم السياسية والتشريعية والعملية التي تكفل استقرار
(1) فيض القدير: 12/ 2.
الناس في ظلال هذه الغاية (1). والوصول إلى تلك الغاية بتنظيم الدولة طرق الدعوة إلى الإسلام، وإعداد الدعاة الأكفياء المزودين بالعلم والأخلاق قياماً بمهمة الأنبياء، واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم المبلغ عن ربه رسالة السماء، قال تعالى مبيناً تلك المهمة:{إنما أنت منذر، ولكل قوم هاد} [الرعد:7/ 13]{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجاد لهم بالتي هي أحسن} [النحل:125/ 16]{يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلَّغت رسالته، والله يعصمك من الناس} [المائدة:67/ 5].
والسبب في إيجاب القيام بالدعوة هوأن الإسلام رسالة اجتماعية إصلاحية ودعوة عالمية كبرى بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لتكون نظام الإنسانية الكامل في حياتها الروحية والمادية، في كل زمان ومكان (2). فالناس جميعاً مخاطبون بتعاليمها والاستجابة لنظامها (3)، بدليل قوله تعالى:{وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً} [سبأ:28/ 34]{وما أرسلناك إلارحمة للعالمين} [الأنبياء:107/ 21]{قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً} [الأعراف:158/ 7].
وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث كتبه يدعو بها إلى الله ملوك الآفاق وطوائف بني آدم من عربهم وعجمهم كتابيهم وأميهم، وكان بعد تفقيه أصحابه وتعليمهم يرسل الدعاة والمعلمين لشرع الله إلى مختلف القبائل التي تُسلم لإرشادها إلى قواعد الإسلام ولتفقيهها في أمور الدين. هذا .. بالإضافة إلى القضاة والفقهاء لتولي الولايات والبلدان الكبرى (4).
(1) تذكرة الدعاة للبهي الخولي: ص 42، ط دار الكتاب العربي:1951.
(2)
تذكرة الدعاة للخولي: ص 14.
(3)
أعلام الموقعين: 211/ 2، تحقيق محي الدين عبد الحميد، تفسير المنار: 467/ 6.
(4)
تفسير ابن كثير: 254/ 2 وما بعدها، ط الحلبي، سيرة ابن هشام: المجلد: 590/ 2، ط الحلبي، التراتيب الإدارية للكتاني: 194/ 1 وما بعدها.
وفي آخر مراحل حياته عليه الصلاة والسلام أشهد ربه في حجة الوداع وغيرها على قيامه بواجب التبليغ، وأمر أن يبلِّغ الشاهد الغائب.
وبما أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة، فكان لزاماً على المسلمين حكاماً ورعية القيام بتبليغ الدعوة الإسلامية وإعداد الدعاة لها سواء في داخل إقليم الدولة أم في خارجه، وذلك بتخصيص فئة متعلمة تدرس الشريعة، وتتمثلها، وتصبح القدوة الصالحة ثم تتعلم اللغات الأجنبية، ثم ترسل إلى سائر البلاد للدعوة في سبيل الله (1) مع دعمها بكتب ومنشورات مبسطة عن الإسلام في عقائده وعباداته، وأحواله المدنية والشخصية، وقانونه الجزائي والدولي، وهذا من فروض الكفاية على الأمة الإسلامية، كما أرشد القرآن إليه في قوله عز شأنه:{ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} [آل عمران:104/ 3] والخير: هو الإسلام وشرائعه التي شرعها الله لعباده، {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} [التوبة:122/ 9].
قال النووي: (ومن فروض الكفاية: القيام بإقامة الحجج وحل المشكلات في الدين، وبعلوم الشرع كتفسير وحديث، والفروع ـ الفقهية ـ بحيث يصلح للقضاء)(2). فإذا لم تقم جماعة بهذا الواجب الكفائي أثم كل المسلمين كما هو معروف، لأن المخاطب بالآيات القرآنية السابقة هم كل المسلمين، فهم المكلفون أن يختاروا منهم طائفة تقوم بهذه الفريضة، فهنا فريضتان: إحداهما على جميع
(1) سأتكلم عن واجب نشر الدعوة خارج الدولة في المبحث الثاني.
(2)
المنهاج مع مغني المحتاج: 210/ 4 وانظر مثل ذلك في غاية المنتهى عند الحنابلة: 441/ 1 والشرح الكبير للدردير عند المالكية: 174/ 2، تفسير القرطبي: 165/ 4، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب، تفسير الطبري: 38/ 4، ط الثانية الحلبي.