الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3ً - طلب القضاء من القاضي في حقوق الناس؛ لأن القضاء وسيلة إلى الحق، وحق الإنسان لا يستوفى إلا بطلبه.
المطلب الرابع ـ واجبات القاضي نحو المقضي عليه:
يجب على القاضي ألا يحكم على من لا يجوز أن يشهد عليه، فلا يقضي على عدوه، ويجوز أن يقضي له. ويجب أن يكون المقضي عليه حاضراً عند الحنفية، فلا يجوز القضاء على الغائب بالبينة إذا لم يكن عنه وكيل حاضر (1) كوكيله ووصيه ومتولي الوقف أو نائبه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«فإنما أقضي له بحسب ما أسمع» وما روي عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين أرسله إلى اليمن: «لا تقض لأحد الخصمين حتى تسمع كلام الآخر» (2)، ولأنه قضاء لأحد الخصمين وحده، فلم يجز، كما لو كان الآخر في البلد، ولأنه يجوز أن يكون للغائب ما يبطل البينة ويقدح فيها، فلم يجز الحكم عليه.
وعدم جواز القضاء على الغائب عند الحنفية، سواء أكان الخصم غائباً وقت الشهادة أم بعدها وبعد التزكية، وسواء أكان غائباً عن مجلس القضاء أم عن البلد التي فيها القاضي، إلا أن يكون ذلك ضرورياً، كما إذا توجه القضاء على الخصم، فاستتر.
(1) البدائع، المرجع السابق: 222/ 6، اللباب، المرجع السابق: ص 88، تكملة فتح القدير: 137/ 6، تكملة رد المحتار على الدر المختار: 314/ 1، المبسوط: 39/ 17.
(2)
رواه أبو داود والترمذي وقال: هذا حسن صحيح، وأخرجه أيضاً ابن حبان وصححه وأحمد، وقواه ابن المديني عن علي بلفظ:«يا علي إذا جلس إليك الخصمان، فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر، كما سمعت من الأول فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء» (نيل الأوطار: 375/ 8، سبل السلام: 120/ 4).
وقال المالكية والشافعية والحنابلة (1): يجوز القضاء على الغائب البعيد الغيبة بشرط أن يكون للمدعي بينة، وذلك في حقوق الناس المدنية، أما في الحدود الخالصة لله تعالى، فلا يقضى على الغائب بها؛ لأنها مبنية على المسامحة والدرء والإسقاط، لاستغنائه تعالى، بخلاف حق الإنسان، فإن قامت بينة على غائب بسرقة مال، حكم عليه بالمال دون القطع.
واستدلوا على جواز الحكم على الغائب بحديث هند، قالت:«يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي؟ قال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» (2) فقضى لها الرسول عليه السلام، ولم يكن زوجها حاضراً. والواقع أن هذا الحديث لا حجة لهم فيه؛ لأن أبا سفيان كان حاضراً بمكة، والحادثة كانت بمكة، لما حضرت هند لمبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال ابن حزم: صح عن عثمان القضاء على الغائب، وصح عن عمر أنه حكم في امرأة المفقود أنها تتربص أربع سنين وأربعة أشهر وعشراً، ولا مخالف لهما من الصحابة. ودليلهم من المعقول أن البينة يطلب سماعها وهي مسموعة في هذه الحالة على الغائب، فيجب الحكم بها كالبينة المسموعة على الحاضر الساكت، وأيضاً فالحكم على الميت والصغير جائز، وهما أعجز عن الدفاع عن نفسيهما من الغائب، ولأن في منع الحكم عن الغائب إضاعة للحقوق التي ندب الحكام إلى حفظها.
وحد الغيبة البعيدة عند الشافعية: هو أن يكون الغائب في مسافة بعيدة عن
(1) بداية المجتهد: 460/ 2، الشرح الكبير للدردير: 162/ 4، مغني المحتاج: 406/ 4، 415، المهذب: 3/ 2، المغني: 110/ 9.
(2)
متفق عليه بين البخاري ومسلم عن عائشة (شرح مسلم: 7/ 12، الإلمام: ص 515).