الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العامة، والسهر على المواكب، ومرافقة الأمير أو صاحب السلطان في تنقلاته لإظهار هيبته ودفع الناس عنه وتلقي أوامره.
ب ـ حفظ الأمن:
وذلك بمراقبتهم الأشرار والدعار واللصوص، وطلبهم في مظانهم، وأخذهم على يد كل من يرتكب عدواناً على غيره، أو يقدم على عمل من شأنه إثارة الناس وتهييج الفتنة.
قال الماوردي: القاعدة الرابعة من القواعد التي تصلح بها الدنيا: أمن عام تطمئن إليه النفوس، وتنتشر فيه الهمم، ويسكن إليه البريء، ويأنس به الضعيف، فليس لخائف راحة، ولا لحاذر طمأنينة، وقد قال بعض الحكماء: الأمن أهنأ عيش، والعدل أقوى جيش (1).
45 -
ولكن لا يقتصر دور الدولة الإسلامية على مجرد توفير وضمان الأمن والطمأنينة للأفراد وصيانة حياتهم وأموالهم ودفع العدوان الداخلي والخارجي عنهم، والإشراف على إطاعة الأنظمة والأحكام، وإنما على الدولة والأفراد أن يخطوا خطوة إيجابية بالتضامن والتكافل معاً (2) نحو إيجاد باعث شخصي على احترام حقوق الآخرين، والإذعان للنظام المتبع، وذلك بالقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليتحقق المقصد الأساسي للشريعة: وهو إصلاح المجتمع، أي الحياة الاجتماعية إصلاحاً جذرياً على نحو يستقر فيه الأمن العام
(1) أدب الدنيا والدين مع شرحه: ص 247، ط تركيا.
(2)
مثَّل الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث السفينة هذا الواجب التكافلي بين الفرد والجماعة بالنهي عن المنكر أروع تمثيل، فقال - فيما رواه البخاري والترمذي - عن النعمان بن بشير:«مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا في سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً» (جامع الأصول: 340/ 4، الترغيب والترهيب: 235/ 3).
والعدل بين الناس، وصيانة الحريات الأساسية بدافع ذاتي ومحبة خالصة لمصالح الآخرين. وكل فرد يعتبر مسؤولاً بنفسه عن الأمر بالمعروف، فإن قصر فهوآثم مخطئ، ويكفل هذا الأصل اليوم ما يسمى بحرية النقد، ويقال له في الاصطلاح الحديث حق الدفاع الشرعي العام (1).
لكن الإسلام اعتبر ذلك واجباً، وبين أن النقد له حدود تقيده في الإسلام حتى يكون نقداً بناء غير هدام. قال النووي في المنهاج:(ومن فروض الكفاية: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وعلق الشارح بقوله: يجب على الإمام أن ينصب محتسباً (2) يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر (3). وقال الماوردي: أكد الله زواجره بإنكار المنكرين لها، فأوجب الأمر بالمعروف ـ الواجب ـ والنهي عن المنكر ـ الحرام (4). هذا الحكم بالوجوب باتفاق الفقهاء، إلا أن جمهورهم قالوا: هو فرض كفاية كالجهاد. وقال بعضهم: هو فرض عين على المستطيع كالحج (5).
(1) التشريع الجنائي الإسلامي للأستاذ عبد القادر عودة: 86/ 1 و 491.
(2)
يميز بين الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأن الثاني واجب ديني، وأما الحسبة فهي نظام واسطة بين أحكام القضاء وأحكام المظالم يقوم بالرقابة والضبط والردع، وله قواعد وأصول ثابتة في الإسلام غايته تحقيق واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (ر: الأحكام السلطانية للماوردي: ص231 ومابعدها، ولأبي يعلى: ص 268 حيث قال كلاهما: الحسبة هي أمر بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله، الحسبة لابن تيمية: ص 8، إحياء علوم الدين: 274/ 2، ط العثمانية ـ عبقرية الإسلام في أصول الحكم: ص 335 وما بعدها).
(3)
المنهاج مع مغني المحتاج: 211/ 4، الحسبة لابن تيمية، المكان السابق.
(4)
أدب الدنيا والدين، المرجع السابق: ص 156.
(5)
المحلى: 440/ 9، تفسير الكشاف: 340/ 1، تفسير ابن كثير: 390/ 1، تفسير الرازي: 19/ 3، تفسير الألوسي: 21/ 4، إحياء علوم الدين: 869/ 2، أحكام الجصاص: 35/ 2 وما بعدها و 592، ط البهية المصرية، تفسير الطبري: 38/ 4، ط الثانية، الحلبي، تفسير القرطبي: 165/ 4 طبعة مصورة.