الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لتتميز عن دارا لحرب: إقامة شعائر الدين أو غالبها فيها، أو التمكين من أدائها، مثل إقامة صلاة الجمعة والجماعة والأعياد وإعلان الأذان (1).
أما كون الحاكمية أو السيادة القانونية لله فمعناه تطبيق شريعته وإطاعة أوامره، واجتناب نواهيه، والتزام الأحكام الواضحة الصريحة في القرآن الكريم والسنة النبوية لقوله تعالى:{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخِيَرة من أمرهم} [الأحزاب:36/ 33]{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء:59/ 4]، إذ بذلك يتحقق المقصود من إنزال الشرائع السماوية وتوفير النظام الصالح للبشرية.
ثالثاً ـ هل يشترط وحدة السلطة على كافة أجزاء بلاد الإسلام
؟ 27 - إن الأصل العام المقرر عند علماء الأشاعرة والمعتزلة والخوارج أن الإمامة والسلطة السياسية في دار الإسلام في المشرق والمغرب الإسلامي واحدة (2) لأن الإسلام دين الوحدة، ولأن المسلمين أمة واحدة، رائدها التعاون والتضامن، وعدوها التفرق والتنازع والتمزق، قال الله تعالى:{إن هذه أمتكم أمة واحدة} [الأنبياء:92/ 21]{إنما المؤمنون إخوة} [الحجرات:10/ 49] {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا
…
} [آل عمران:103/ 3]{ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات، وأولئك لهم عذاب عظيم} [آل عمران:105/ 3].
ويؤكد الرسول صلى الله عليه وسلم على مبدأ الوحدة هذا، فيقول: «المسلم أخو المسلم لا
(1) ر: بحث دار الإسلام ودار الحرب للمؤلف: ف/48.
(2)
البحر الزخار: 386/ 5، أصول الدين للبغدادي: ص 274.
يظلمه ولا يخذُله ولا يكذِبه» (1)«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً» (2)«مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (3)«إن المؤمن من أّهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد يألم لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس» (4).
وأجمع الصحابة يوم السقيفة لانتخاب خليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم على أنه لا يجوز إمامان في وقت واحد، بدليل ما أجاب به عمر بن الخطاب الحُبَاب بن المنذر الأنصاري رضي الله عنهما حينما قال:(منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش): فقال: (سيفان في غمد إذن لا يصلحان).
وقرر الفقهاء إنه لا يجوز إمامان في بلد واحد، حتى وإن كانت الجهات متباينة لقيام العمال مقام الإمام الآخر في المقصود ولفعل الصحابة (5) الذين امتثلوا أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال:«إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» (6)«من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه» (7) «إنه لا نبي بعدي، وسيكون بعدي خلفاء فيكثرون، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: أوفوا ببيعة الأول، ثم أعطوهم حقهم، وسلوا الله الذي لكم، فإن الله
(1) رواه مسلم عن أبي هريرة (الأربعين النووية).
(2)
رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي موسى الأشعري (الفتح الكبير والجامع الصغير).
(3)
رواه مسلم وأحمد في مسنده عن النعمان بن بشير (المرجعان السابقان).
(4)
رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد: 87/ 8).
(5)
البحر الزخار، المكان السابق، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين للأشعري: 133/ 2، ف/180، وانظر للتفصيل في الموسوعة الفقهية: إمامة.
(6)
أي أبطلوا البيعة الأخيرة، قال في النهاية: أي أبطلوا دعوته واجعلوه كمن مات، رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري (شرح مسلم للنووي: 242/ 12).
(7)
رواه مسلم من حديث عرفجة بن شريح (شرح مسلم: 242/ 12).
سائلهم عما استرعاهم» (1).
قال الماوردي وتبعه أبو يعلى: (إذا عقدت الإمامة لإمامين في بلدين لم تنعقد إمامتهما، لأنه لا يجوز أن يكون للأمة إمامان في وقت واحد، وإن شذ قوم فجوزوه)(2).
وقال ابن حزم: (ولا يحل أن يكون في الدنيا إلا إمام واحد، والأمر للأول بيعة)(3) وأضاف أيضاً: (واتفقوا ـ أي الفقهاء ـ أنه لا يجوز على المسلمين في وقت واحد في جميع الدنيا إمامان، لا متفقان ولا مفترقان، ولا في مكانين، ولا في مكان واحد)(4).
28 -
وأجاز قوم تعدد الأئمة عند تباعد الديار، وكمال الغرض المقصود بهم وهؤلاء القوم: هم (إمام الحرمين وصاحب المواقف وأبو منصور البغدادي، والكرَّامية وأبو الصباح السمرقندي وأصحابه، والإمامية والزيدية، والجاحظ، وعبَّاد الصيمري، والناصر، والإمام يحيى بن حمزة بن علي الحسيني، والمؤيد في قول له من آل البيت)(5).
وعباراتهم هي ما يأتي:
قال إمام الحرمين: والذي عندي أن عقد الإمامة لشخصين في صقع (6)
(1) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة (شرح مسلم: 231/ 12، جامع الأصول: 443/ 4).
(2)
الأحكام السلطانية للماوردي: ص 7، ولأبي يعلى: ص 9.
(3)
المحلى: 439/ 9، ف/1770.
(4)
مراتب الإجماع: ص 124.
(5)
الإرشاد لإمام الحرمين: ص 425، ط الخانجي، المواقف وشرحها للإيجي والجرجاني: 353/ 8، أصول الدين للبغدادي، ص 274، الفصل في الملل والنحل: 88/ 4، الملل والنحل للشهرستاني: 113/ 1، البحر الزخار: 386/ 5.
(6)
الصقع: بضم الصاد: الناحية.
واحد متضايق الخطط والمخالف (1) غير جائز، وقد حصل الإجماع عليه، وأما إذا بعد المدى وتخلل بين الإمامين شسوع (2) النوى، فللاحتمال في ذلك مجال، وهو خارج عن القواطع (3).
وقال صاحب المواقف: (ولا يجوز العقد لإمامين في صقع متضايق الأقطار، أما في متسعها بحيث لا يسمع الواحد تدبيره فهو محل الاجتهاد).
وقال البغدادي: (لا يجوز أن يكون في الوقت الواحد إمامان واجبا الطاعة
…
إلا أن يكون بين البلدين بحر مانع من وصول نصرة أهل كل واحد منهما إلى الآخر، فيجوز حينئذ لأهل كل واحد منهما عقد الإمامة لواحد من أهل ناحيته).
وذكر الشهرستاني عن الكرامية: (إنهم جوزوا عقد البيعة لإمامين في قطرين، وغرضهم إثبات إمامة معاويةفي الشام باتفاق جماعة من أصحابه، وإثبات أمر المؤمنين علي بالمدينة والعراقين باتفاق جماعة من الصحابة
…
).
وأبان ابن حزم في كتابه: (الفِصَل في الملل والنحل) والبغدادي أن (محمد ابن كرام السجستاني وأبا الصبح السمرقندي وأصحابهما أجازوا كون إمامين وأكثر في وقت واحد، واحتج هؤلاء بقول الأنصار، أو من قال منهم يوم السقيفة:«منا أمير ومنكم أمير» واحتجوا أيضاً بأمرعلي والحسين مع معاوية رضي الله عنهم.
ونقل المرتضى صاحب البحر الزخار رأي الباقين القائلين بجواز تعدد الأئمة
(1) جمع مخلفة بوزن متربة: وهي الموضع.
(2)
الشسوع: البعيد.
(3)
أي الأدلة القاطعة التي تفيد اليقين بوجوب وحدة الأمة.