الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيها ـ أن يكون بصيراً وقت التحمل
، فلا يصح التحمل من الأعمى؛ لأن شرط التحمل هو السماع من الخصم، ولا يعرف الخصم إلا بالرؤية؛ لأن نغمات الأصوات يشبه بعضها بعضاً.
وقال الحنابلة (1): تحمل الشهادة يكون بالرؤية والسماع، فيجوز للأعمى أن يشهد فيما يتعلق بالسماع كالبيع والإجارة وغيرهما إذا عرف المتعاقدين، وتيقن أنه كلامهما.
وقال الشافعية (2): لا تجوز شهادة الأعمى فيما يتعلق بالبصر لجواز اشتباه الأصوات، وقد يحاكي الإنسان صوت غيره، كما قال الحنفية، فلا يجوز أن يكون شاهداً على الأفعال كالقتل والإتلاف والغضب والزنا وشرب الخمر، وهذا ما قال به الحنابلة أيضاً، كما لا يجوز أن يكون شاهداً على الأقوال كالبيع والإقرار والنكاح والطلاق، إلا فيما سماه الشافعية بصورة الضبط: وهي أن يقر شخص في أذن الأعمى بنحو طلاق أو مال لشخص معروف، فيتعلق الأعمى به ويضبطه إلى أن يحضر عند الحاكم، فيشهد عليه بما سمعه منه، فتقبل شهادته في هذه الحالة على الصحيح.
ثالثها ـ معاينة المشهود به بنفسه لا بغيره إلا فيما تصح فيه الشهادة بالتسامع من الناس والاستفاضة
؛ لقوله صلى الله عليه وسلم للشاهد: «إذا علمت مثل الشمس فاشهد، وإلا فدع» (3) ولا يتم العلم مثل الشمس إلا بالمعاينة.
ولا يشترط لتحمل الشهادة البلوغ والحرية والإسلام والعدالة، وإنما هي شروط للأداء.
(1) المغني: 58/ 9 وما بعدها.
(2)
المهذب: 334/ 2 وما بعدها، مغني المحتاج: 446/ 4.
(3)
رواه الخلال في الجامع بإسناده عن ابن عباس بلفظ سبق ذكره. والمذكور هنا مروي بالمعنى.
وأما ما تصح فيه الشهادة بالتسامع: فهي النكاح، والنسب، والموت، ودخول الرجل على امرأته، وولاية القاضي، فللشاهد أن يشهد بهذه الأشياء إذا أخبره بها من يثق به استحساناً؛ لأن هذه الأمور يختص بمعاينة أسبابها خواص الناس، ويترتب عليها أحكام دائمة على ممر السنين والأعوام، فلو لم يقبل فيها الشهادة بالتسامع، لأدى ذلك إلى الحرج وتعطيل الأحكام.
والتسامع عند أبي حنيفة: هو بأن يشتهر الخبر ويستفيض بين الناس، وتتواتر به الأخبار ليحصل له نوع من اليقين. وعند الصاحبين: بأن يخبر الشاهد رجلان عدلان أو رجل وامرأتان، واختار قولهما بعض الفقهاء بدليل أن القاضي يحكم بشهادة شاهدين، ولو لم يرد المشهود به أو يسمعه بنفسه. وعند أداء الشهادة بالتسامع لا يذكر الشاهد أمام القاضي أن شهادته بالتسامع، وإنما يقول: أشهد بكذا.
أما فيما عدا المذكور فلا يجوز للشاهد أن يشهد بشيء لم يعاينه؛ لأن الشهادة مشتقة من المشاهدة: وهي المعاينة، وتتم بالعلم، فلا تجوز الشهادة إلا بما علمه الإنسان، بدليل قوله تعالى:{إلا من شهد بالحق، وهم يعلمون} (1) وقوله سبحانه: {ولا تقْف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد، كل أولئك كان عنه مسؤولاً} [الإسراء:36/ 17](2).
وقال المالكية: تجوز شهادة التسامع في عشرين حالة: منها عزل قاض أو والٍ أو وكيل، وكفر، وسفه، ونكاح، ونسب، ورضاع، وبيع، وهبة ووصية (3).
(1) الآية: {ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} [الزخرف:86/ 43].
(2)
المبسوط: 111/ 16، فتح القدير: 20/ 6، البدائع: 266/ 6، اللباب: 67/ 4، المغني: 158/ 9. المهذب: 334/ 2.
(3)
راجع الشرح الكبيرللدردير وحاشية الدسوقي عليه: 198/ 4 وما بعدها.