الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ـ والرابع: أن لا ينازعوه في الغنائم إذا قسمها ويرضوا منه
…
) (1).
وأما مظهر السيادة في المجال الدولي أو الخارجي فإن ذلك واضح مما قرره القرآن الكريم من مبدأ توفير العزة والاستقلال الكامل لدولة الإسلام دون السماح لأية سلطة أخرى بانتقاصه أو محاولة التسلط عليه، قال تعالى:{ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً} [النساء:141/ 4]. وقال سبحانه: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} [المنافقون:63/ 8]. والعزة تقتضي ـ كما ذكر سابقاً ـ الاستقلال ومن مستلزمات ذلك أوجب الفقهاء على الإمام (تحصين الثغور والحدود بالعدة المانعة والقوة الدافعة حتى لا تظفر الأعداء بغرق ينتهكون بها محرماً، أو يسفكون فيها لمسلم أو معاهد دماً)(2).
ثانياً ـ نصاب الحاكمية أو حدها الأدنى في التحقق، والفرق بينه وبين الحد الأدنى في تطبيق الأحكام لتحقق مفهوم دار الإسلام:
25 ـ إن السيادة الثابتة للدولة الإسلامية بالمعنى السابق لا تتقيد إلا بقيود أو حدود الشرع أو بالتعبير الحديث (مبدأ سيادة القانون)، لأن من أولى واجبات الدولة الإسلامية (حفظ الدين على أصوله المستقرة وما أجمع عليه سلف الأمة)(3)، والحد الأدنى المطلوب شرعاً لتحقيق سيادة الشرع أو كون الحاكمية لله تعالى يتوافر بما يأتي:
1 -
إقرار عقيدة التوحيد: إن أول مظهر للإسلام هو إعلان أصول عقيدته
(1) المرجع السابق: ص 45.
(2)
الماوردي، المرجع السابق: ص 14، الأحكام السلطانية لأبي يعلى: ص 11.
(3)
الماوردي: ص 14، أبو يعلى: ص 11.
المعروفة: وهي الإيمان بالله تعالى وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره حلوه ومره من الله تعالى (1).
2 -
التزام الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة أو التي ثبتت بدليل قطع الثبوت قطعي الدلالة، كوجوب الصلوات الخمس والصيام والزكاة والحج، وتحريم جرائم الحدود: وهي الزنا والقذف والسرقة وشرب الخمر والمحاربة (أوقطع الطريق) وإيجاب العقاب المقرر لها وللقتل العمد العدوان، وتحريم الربا، والميسر، وزواج المحارم، وزواج المسلمة بغير المسلم، وإيجاب الكفارات المقدرة للإيمان أو انتهاك حرمة بعض الأنظمة أوالفروض الدينية (2).
3 -
إنفاذ الأحكام الشرعية المنصوص عليها صراحة في القرآن الكريم أو في السنة أو في الإجماع كنظام المواريث والأسرة ومبادئ التعامل من رضا واختيار ونحوهما. وطرق الإثبات والقضاء، ونظم السلم والحرب، ونحو ذلك مما يتصل بالتزام الأوامر واجتناب النواهي.
4 -
احترام مبادئ الإسلام السياسية والمدنية والاقتصادية: كمبدأ الشورى والعدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والوفاء بالعهود والعقود والالتزامات، والحفاظ على الحقوق، وتحقيق الأمن، ودفع الأذى والضرر ومنع الظلم وجهاد الأعداء، وسد الذرائع إلى الفساد، وحماية الأنفس والأموال
(1) القدر: لا شر فيه بوجه من الوجوه، فإنه علم الله وقدرته وكتابته ومشيئه، وذلك خير محض وكمال من كل وجه، ليس إلى الرب تعالى بوجه من الوجوه، لا في ذاته ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله، وإنما يدخل الشر الجزئي الإضافي في المقضي المقدر، ويكون شراً بالنسبة إلى محل وخيراً بالنسبة إلى محل آخر، وقد يكون خيراً بالنسبة إلى المحل القائم به من وجه، كما هو شر له من وجه، بل هذا هو الغالب. وهذ ما يحقق معنى التكامل في الحياة (راجع العقيدة الواسطية لابن تيمية).
(2)
انظر كتب أصول الفقه ـ باب الاجتهاد.
والأعراض، وإقرار المسؤولية الفردية وضمان الاعتداء أو الضرر، وتحريم الاحتكار والغش والتدليس والتطفيف في الكيل والميزان (1)، وعدم إهدار حرمة الملكية الخاصة مع مراعاة كونها ذات وظيفة اجتماعية، وتقييد جمع المال وإنفاقه بالقيود المشروعة.
وأما ما عدا ذلك من الأمور غير المنصوص عليها صراحة في الشريعة، فللعلماء المختصين الاجتهاد فيها، عملاً بأن الأصل في الأشياء النافعة هو الإباحة، وفي الأشياء الضارة هو الحظر أو المنع، ولقول الرسول عليه الصلاة والسلام:«أنتم أعلم بأمر دنياكم» (2)، ولكن بشرط ألا يصادم الاجتهاد مبدأ أساسياً من مبادئ الإسلام أوأصلاً من أصول الشريعة، أي أنه لا بد لصحة الاجتهاد وسلامته من أن يكون متجاوباً مع روح الشريعة وأصولها ومقاصدها التشريعية، كما هو معروف في علم أصول الفقه.
والخلاصة: إن الحد الأدنى لحاكمية الله، هو تطبيق الأحكام القطعية والمجمع عليها وإقامة الحدود، وأما بقية الأحكام الفرعية الثابتة فهي مكملة لهذه الحاكمية، إلا أن الإخلال بتطبيق الحد الأدنى لتلك الحاكمية لا يمكننا من الإسراع بالحكم بالتكفير وإزالة وصف الإسلام، لأن الحكم بالتكفير والتبري ليس بالهين ويحتاج إلى احتياط كما قرر الفقهاء، ولأن التكفير لا يكون إلا بالترك، اعتقاداً بعدم الصلاحية أو مجاهرة بإعلان الكفر صراحة.
26 -
ويلاحظ أن هذا الحد الأدنى للحاكمية القانونية يختلف عن الحد الأدنى المطلوب لتحقيق مفهوم دار الإسلام، إذ يكفي لتحقيق مدلول دار الإسلام
(1) الحسبة لابن تيمية: ص 29 و 45 وما بعدها، السياسة الشرعية لابن تيمية: ص 63 وما بعدها و143 وما بعدها، 155 وما بعدها، المحلى لابن حزم: 440/ 9 م/1772.
(2)
أخرجه مسلم عن أنس وعائشة (شرح مسلم: 118/ 15).