الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاجتماعي بحسب الظروف والأحوال (1).
وعلى الدولة المساهمة البناءة في هذا المضمار، فتخصص لإزالة المنكر ما يعرف في الإسلام بالمحتسب، وهو المسلم المكلف (البالغ العاقل) القادر على الأمر بالمعروف ودفع المنكر ورفع الظلم مما ليس من خصائص الولاة والقضاة وأّهل الديوان ونحوهم (2). قال ابن تيمية:(وجميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواء في ذلك ولاية الحرب الكبرى مثل نيابة السلطنة، والصغرى مثل ولاية الشرطة وولاية الحكم، أو ولاية المال وهي ولاية الدواوين، وولاية الحسبة (3)).
وهناك مسألة فلسفية بحثها العلماء وهي أنه هل وجوب النهي عن المنكر بالعقل أو بالشرع (4).
2 - تنظيم القضاء وإقامة العدل:
49 -
إن غاية الدولة الإسلامية هي تحقيق مصالح الناس ورفع الضرر عنهم، وذلك بإقامة التوازن والعدل فيما بينهم، ومنع تعدي بعضهم على بعض.
وبما أن تنظيم القضاء ونصب القضاة مظهر من مظاهر إقامة العدل، كان من
(1) إحياء علوم الدين: 277/ 2، ط العثمانية، مختصر منهاج القاصدين: ص 127 وما بعدها، ط الثانية، التشريع الجنائي الإسلامي: 505/ 1 وما بعدها، نظرية الإسلام السياسية للمودودي: ص 45 وما بعدها.
(2)
إحياء علوم الدين: 274/ 2، الأحكام السلطانية للماوردي وأبي يعلى، المكان السابق، التراتيب الإدارية للكتاني: 284/ 1، منير العجلاني: ص 342.
(3)
الحسبة له: ص 8.
(4)
قال بعض المتكلمين: (وجب ذلك بالعقل وقال آخرون: وجب ذلك بالشرع دون العقل)(ر: للتفصيل أدب الدنيا والدين مع شرحه: ص 158 وما بعدها).
أعظم الواجبات التي اهتم بها فقهاء الإسلام وخلفاؤه، فأبانوا شروطه، ووضعوا خطته وحددوا طرق الفصل بين الناس تحديداً دقيقاً، وكان اختيار الخليفة للقاضي مثلاً فذاً من أمثلة الحفاظ على مصالح الناس (1)، لأن غاية القضاء التي يمتاز بها في الإسلام هي إقامة العدل باعتبار أن العدل هوقوام العالمين، لا تصلح الدنيا والآخرة إلا به (2)، فكان العدل هو شعار فض الخصومات والمنازعات بين الناس. ومن أهم ضوابط العدل هو تنفيذ أحكام شريعة الله دون تفرقة بين الحاكم والمحكومين، لأن الكل خاضعون لحكم الله.
فمن تنظيمات القضاء الإسلامي أنه خصص للنظر في محاكمة أصحاب النفوذ والولاة وعمال الدولة ما يعرف المظالم (3) التي تشبه (مجلس الدولة) في بعض اختصاصاته الآن (4). قال المرجاني في وفية الإسلام (5): النظر في المظالم وظيفة أوسع من وظيفة القاضي ممتزجة من السطوة السلطانية، ونصفة القضاء، بعلو بيِّن، وعظيم رغبة تقمع الظالم من الخصمين، وتزجر المتعدي، ويمضي ما عجز القضاة ومن دونهم عن إمضائه، ويكون نظره في البينات والتقرير واعتماد القرائن والإمارات وتأخير الحكم إلى استجلاء الحق وحمل الخصم على الصلح، واستحلاف الشهود، وكان الخلفاء يباشرونها بأنفسهم إلى أيام المهتدي بالله، وربما سلموها إلى قضاتهم. وعلق الأستاذ الكتاني على ذلك بقوله: هذه الوظيفة كان يليها المصطفى صلى الله عليه وسلم بنفسه؛ لأنه كان ينتقد أحكام قضاته وعماله ويناقشهم (6).
(1) ر: السياسة الشرعية لابن تيمية: ص: 20 و 152، وباب القضاء في كتب الفقه.
(2)
المرجع السابق: ص 156.
(3)
قال الماوردي في الأحكام السلطانية: ص 73: نظر المظالم: هو قود المتظالمين إلى التناصف بالرهبة وزجر المتنازعين عن التجاحد بالهيبة.
(4)
التراتيب الإدارية للكتاني: 266/ 1، النظريات السياسية الإسلامية للدكتور الريس: ص 67.
(5)
ص: 366.
(6)
التراتيب الإدارية، المكان السابق.
50 -
إلا أنه لم يكن للقضاة في الإسلام غير النظر في المسائل المدنية (أو نظام الأموال) والأحوال الشخصية. أما القضاء الجزائي في الجرائم وإقامة الحدود والنظر في المظالم، فكان من اختصاص الخلفاء والأمراء إلا في عهد معاوية حيث تخلى عن حق النظر في بعض المسائل الجزائية المحدودة إلى قاض خاص.
ولا مانع شرعاً من وضع نظام للسلطة القضائية يحدد اختصاصاتها ويكفل تنفيذ الأحكام، ويضمن لرجالها حريتهم في إقامة العدل بين الناس (2). وهو أمر ضروري في كل عصر يقل فيه الورع، وتكثر الأهواء وتزداد الخصومات، وتراعى فيه تطورات الزمن.
51 -
ومن المعلوم أن القرآن والسنة النبوية أكدا على ضرورة التزام العدل المطلق في كل الأحكام العامة والخاصة وفي مختلف أحوال الحكم والإدارة، لا في مجال القضاء فقط، قال الله عز وجل:{إن الله يأمر بالعدل} [النحل:90/ 16]{وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} [النساء:58/ 4]{وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى} [الأنعام:152/ 6]{ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى} [المائدة:8/ 5].
(1) الأحكام السلطانية: ص 76، ولأبي يعلى: ص 61.
(2)
السياسة الشرعية للأستاذ خلاف: ص 49 وما بعدها، عبقرية الإسلام في أصول الحكم لمنير العجلاني: ص 440 وما بعدها.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأدناهم منه مجلساً: إمام عادل، وأبغض الناس إلى الله تعالى، وأبعدهم منه مجلساً: إمام جائر» (1)، وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً:«لا تقدس أمة لا يقضى فيها بالحق، ولا يأخذ الضعيف حقه من القوي غير مُتَعْتَع» (2)«يوم من إمام عادل أفضل من عبادة ستين سنة» (3).
وقال الماوردي: اعلم أن ما به تصلح الدنيا حتى تصير جميع أحوالها منتظمة، وجملة أمورها ملتئمة ستة أشياء هي قواعدها وأصولها وإن تفرعت، وهي دين متبع، وسلطان قاهر، وعدل شامل، وأمن عام، وخصب دائم، وأمل فسيح (4).
والخلاصة: أن العدل هو جِمَاع واجبات الدولة والغاية العامة للحكم الإسلامي، حتى مع الأعداء، قال الفخر الرازي:(اجمعوا على أن من كان حاكماً وجب عليه أن يحكم بالعدل)(5)، واستشهد بالآيات المذكورة ونحوها، والعدل ـ كما أجمع العلماء ـ هو تنفيذ حكم الله.
(1) رواه الترمذي والطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد الخدري (جامع الأصول: 447/ 4).
(2)
رواه الطبراني ورجاله ثقات من حديث معاوية بن أبي سفيان (مجمع الزوائد: 209/ 5).
(3)
رواه الطبراني في الكبير والأوسط من حديث ابن عباس، قال الهيثمي: وفيه سعد أبو غيلان الشيباني ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات وله ألفاظ أخرى (ر: التلخيص الحبير: 183/ 4، مجمع الزوائد: ص 193/ 5).
(4)
أدب الدنيا والدين مع شرحه منهاج اليقين للعلامة أويس وفا الأرزنجاني العريف بخان زاده ص 226، وقال في الشرح المذكور: ص 240، العدل مصدر بمعنى العدالة: وهو الاعتدال والاستقامة والميل إلى الحق. وفي الشريعة عبارة عن الاستقامة على طريق الحق بالاجتناب عما هو محظور دينه، وفي اصطلاح الفقهاء: من اجتنب الكبائر ولم يصر على الصغائر وغلب ثوابه، واجتنب الأفعال الخسيسة كالأكل في الطريق والبول.
(5)
التفسير الكبير: 355/ 3.