الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
…
إقليمية الشريعة والقضاء في ديار الإسلام
..........................
كلما هبَّت رياح الضعف والوهن على بلد إسلامي أو عربي، أثيرت حوله مشكلات عديدة تتعلق بأوضاع غير المسلمين من الناحية القانونية أو الاجتماعية أو السياسية، وتبدأ مظاهر الفتنة بالتساؤل: هل تطبق عليهم أحكام الشريعة الإسلامية، أو أنهم يخضعون لقوانين خاصة بهم؟ وذلك كما كان عليه الحال في أواخر عهد السلطة العثمانية، حيث تقرر بمساعي الدول الكبرى ما يسمى بنظام الامتيازات الأجنبية الذي عانت منه البلاد الشيء الكثير، ويعاصرنا الآن الوضع المتأزم في السودان بين الشمال والجنوب بمناسبة إقرار القانون الجنائي لإعفاء الجنوبيين من أحكامه، بل حتى إقليم الخرطوم عاصمة الدولة، التي يختل فيها الأمن اختلالاً ملحوظاً، وتكثر جرائم النهب والسرقة والقتل في الفترة التي أوقف فيها تطبيق الحدود الشرعية.
ومثل هذه التساؤلات لا تتردد بالنسبة لغير المواطنين في ربوع الدول القوية الغربية أو الشرقية، فلا يعترض أحد على تطبيق أحكام قانون عقوبات تلك الدولة، مهما اشتد وقسا، ومهما تعنَّت الساسة وتغطرسوا، ويظل مبدأ إقليمية القانون الذي هو جزء من سيادة الدولة هو المحترم والمطبق، ويتصدى قضاء الدولة الحالي للنظر في أي جريمة وقعت على أرضها أو إقليمها، أو حتى على وسائل النقل والمواصلات البرية والبحرية والجوية التابعة لها من طائرات وسفن، ولو في
غير إقليم الدولة البري أو البحري أو الجوي، وتبادر الدولة على الفور إلى طرد دبلوماسي مثلاً لإطلاقه عياراً نارياً في شارع أو قرب سفارته، وتعلن الدولة صراحة كما حدث في بريطانيا في الأسبوعين الأخيرين من شهر أيلول (سبتمبر 1988) قائلة لغير الإنجليز: إما أن تحترموا قوانيننا أو ترحلوا من بلادنا، حفاظاً على الأمن الداخلي والسلم والاستقرار.
وبالمقارنة بين هذا المثال والوضع في السودان يظهر لنا أن القضية إذن هي قضية قوة ونفوذ لحماية المبدأ والحق، فإن كانت هناك قوة، كان احترام المبدأ القانوني هو السائد، وإن كان هناك ضعف انحسر مبدأ القانون، وظهر الاستنكار والاستهجان في وسائل الإعلام من إذاعة وصحافة، وتجرأ الناقدون لوصف القانون الجنائي المستمد من شريعة الله تعالى بأنه متسم بالقسوة والشدة، وأنه سبب التفرقة والتجزئة والانقسام، وفصل جنوب السودان عن شماله!!
والواقع أن مشكلة جنوب السودان سياسية محضة تعتمد على دعم وتأييد خارجي، له بواعثه وأهدافه ومراميه المفروضة والمشبوهة المعروفة، وليس منشأ المشكلة قضية تطبيق الشريعة.
ومع كل هذا أودّ بيان مبدأ إقليمية القانون الجنائي والقضاء، وأقارن بين ما عليه القانون الوضعي في العقوبات، وبين ما قرره فقهاؤنا الشرعيون منذ قرون كثيرة، لمعرفة أوجه الشبه والاختلاف في هذا الموضوع المهم جداً، ولدحض ذرائع الذين يريدون التخلص من أحكام شريعة الله تعالى، بقصد إبقاء الجريمة ترتع وتمرح، ويكون المجرمون في أمان من العقاب الرادع الذي يستأصل الإ جرام ويقطع دابره.
من المعلوم أن الشريعة الغراء ذات المصدر الإلهي الوحيد الثابت الصحة