الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو قال رجل لآخر: (له من مالي ألف درهم) لا يكون إقراراً، بل يكون هبة، وإذا كان هبة لا يملكها المخاطب إلا بالقبول والقبض؛ لأنه ليس في هذا القول ما يدل عى الالتزام في الذمة؛ لأن اللام في (له) للتمليك، والتمليك بغير عوض هبة.
ولو قال: (له عندي درهم) فهو وديعة، لأن (عندي) لا تدل على التزام شيء في الذمة، بل هي كلمة تفيد الوجود، وليس لهذا المعنى دلالة على الالتزام.
وكذلك لو قال: (لفلان معي، أوفي منزلي، أو في بيتي، أو في صندوقي، أو في كيسي ألف درهم) فهو وديعة؛ لأن هذه الألفاظ لا تدل إلا على قيام اليد أو الحيازة، وهذا المعنى لا يفيد الالتزام في الذمة، فلم يكن إقراراً بالدين، فكانت وديعة، لتعارف الناس ذلك.
ولو قال: (لفلان عندي ألف درهم عارية) فهو قرض؛ لأن (عندي) تستعمل في الأمانات، وقد فسرت بالعارية، والمعروف أن عارية الدراهم والدنانير تكون قرضاً؛ إذ لا يمكن الانتفاع بها إلا باستهلاكها، وإعارة ما لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاكه، يكون قرضاً في العرف.
وكذلك كل ما يكال أو يوزن: يكون الإقرار بإعارته إقراراً بالقرض؛ إذ يتعذر الانتفاع به إلا باستهلاكه.
2 - الإقرار الضمني أو الإقرار دلالة:
قد يكون الإقرار بلفظ يدل على التزام الشيء ضمناً أو دلالة، مثل أن يقول شخص لغيره:(لي عليك ألف درهم) فيقول: قد قضيتها؛ لأن القضاء يدل على تسليم مثل الواجب الملتزم به في الذمة، فيقضي سبق الالتزام بهذا المبلغ، ولا يثبت الوفاء إلا بالبينة.
وكذا لو قال رجل لآخر: (لي عليك ألف درهم) فقال المخاطب: (أجلني بها)؛ لأن التأجيل إنما يكون في حق واجب، ولو لم يذكر الضمير في هذا وفيما قبله، لا يكون إقراراً، لعدم انصرافه إلى الكلام المذكور.
وفي دعوى الإبراء بأن قال: (أبرأتني منها) مثل قوله: (قد قضيتها)؛ لأن الإبراء إسقاط، وهذا إنما يكون في مال واجب عليه.
وكذلك دعوى الصدقة والهبة بأن قال: (تصدقت بها علي أو وهبتها لي) كان ذلك أيضاً إقراراً منه، مثل دعوى القضاء؛ لأن التمليك بالصدقة أو بالهبة يقتضي أسبقية الوجوب والالتزام.
وكذلك لو قال: (أجلتك بها على فلان) يكون إقراراً أيضاً؛ لأنه يعني تحويل الدين من ذمة إلى ذمة، وهذا لا يكون بدون التزام.
ولو قال رجل لآخر: (لي عليك ألف درهم) فقال: حقاً أو صدقاً، يكون إقراراً؛ لأن معناه تصديقه فيما يدعي عليه.
الإقرار بالدين المقترن بلفظ آخر: كل ما ذكر إذا كان لفظ الإقرار مطلقاً عن التقييد بشيء آخر، فإن اقترن بلفظ الإقرار لفظ آخر مخالف لمعنى اللفظ الأول، بأن قال:(لفلان علي ألف درهم وديعة) يكون إقراراً بالوديعة بشرط اتصاله بالإقرار كالاستثناء؛ لأن قوله (وديعة) تغيير لحكم الإقرار من كون المال ديناً إلى كونه محفوظاً أمانة، وهذا بيان معتبر، فيصح بشرط كونه موصولاً بالكلام السابق لا منفصلاً، كما هو الشرط في الاستثناء.
فإن كان البيان منفصلاً عن الكلام السابق، بأن سكت، ثم قال: عنيت به الوديعة، لا يصح بيانه، ولا يصدق، ويكون إقراراً بالدين؛ لأن بيانه المتأخر خلاف ظاهر الكلام السابق، فلا يصدق به على الغير.
ولو قال: (علي ألف درهم وديعة قرضاً، أو وديعة ديناً، أو مضاربة قرضاً أو ديناً) فهو إقرار بالدين؛ لأن الجمع بين اللفظين في معناهما ممكن، بأن يكون الشيء في مبدأ الأمر أمانة، ثم يتغير حاله، فيصير مضموناً، إذ الضمان قد يطرأ على الأمانة كالوديعة إذا استهلكت ونحوها، والإنسان غير متهم على نفسه في الإقرار بالضمان.
ولو قال: (لفلان عندي أو معي ألف درهم قرضاً) فهو إقرار؛ لأنه بيان معتبر دال على أن وجود الألف عنده ليس أمانة، وإنما ديناً مضموناً.
ولو قال: (عندي كذا) وأعني به الإقرار: صُدِّق، وإن كان كلامه منفصلاً؛ لأن هذا إقرار على نفسه، فلا يتهم الإنسان فيه.
ولو قال: (له من مالي ألف درهم لا حق لي فيها) فهو إقرار بالدين؛ لأن الألف التي لا حق فيها تكون ديناً إذ لو كانت هبة لكان له فيها حق.
الإقرار المكتوب: لو ادعى رجل على آخر مالاً، وأخرج بذلك خطاً بخط يده على إقرار له بالمال، وأنكر المدعى عليه أنه خطه، فاستكتب، فكتب، فكان بين الخطين مشابهة ظاهرة دالة على أنهما خطا كاتب واحد، قال أئمة بخارى: إنه حجة يقضى بها، وقد نص محمد في المبسوط على أنه لا يكون حجة؛ لأنه لو قال:(هذا خطي وأنا كتبته غير أنه ليس علي هذا المال): لا يلزمه شيء، فهذا أولى.
ولو كتب بخطه صكاً فقيل له: تشهد به؟ فقال: نعم، فيكون إقراراً، ولو لم يقل شيئاً: لا يكون إقراراً.