الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأجاز بعض المالكية الحلف بالطلاق للتغليظ، عملاً بقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله:«تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور» ولأن الحاجة ماسة إليه. وأفتى الإمام مالك بعدم وقوع طلاق المكره حينما أراد أوائل الخلفاء العباسيين بأن يوثقوا بيعة الناس لهم بالأيمان والطلاق والعتاق، ويكرهون الناس على ذلك، وكان مالك يحدث بحديث:«ليس على مستكره طلاق» مما أغضب المنصور.
المطلب الثالث ـ تغليظ اليمين باللفظ وبالزمان والمكان:
أجاز الفقهاء من السنة والشيعة ما عدا الحنابلة والظاهرية (1) تغليظ اليمين باللفظ، والتغليظ عند المالكية يكون بقول الحالف:«بالله الذي لا إله إلا هو» وعند الجمهور: «بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية» ونحوه، لحديث ابن عباس المتقدم وقول النبي صلى الله عليه وسلم لرجل:«احلف بالله الذي لا إله إلا هو، ماله عندك شيء» وهذا هو الراجح لدي؛ لأن القصد باليمين الزجر عن الكذب، وهذه الألفاظ أبلغ في الزجر، وأمنع من الإقدام على الكذب.
أما الظاهرية والحنابلة فلم يجيزوا تغليظ اليمين، ويكتفى بلفظ الجلالة فقط؛ لأنه يتضمن كل معاني الترغيب والترهيب، واقتصاراً على ما ورد في القرآن، مثل:{فيقسمان بالله} [المائدة:106/ 5] وما ورد في السنة: «من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت» (2).
(1) البدائع: 227/ 6، القوانين الفقهية: ص 306 وما بعدها، المهذب: 322/ 2، مغني المحتاج: 472/ 4، المغني: 227/ 9 وما بعدها، الروضة البهية: 159/ 2، المحلى: 468/ 9 وما بعدها.
(2)
متفق عليه من حديث ابن عمر.
واستحب الشافعية تغليظ اليمين إذا كانت يمين المدعي وهي اليمين المردودة أو مع الشاهد واليمين، أو يمين المدعى عليه وإن لم يطلب الخصم تغليظها، وذلك فيما ليس بمال، ولا يقصد به المال، كنكاح وطلاق ولعان وقصاص، ووصاية ووكالة، وفي المال البالغ نصاب الزكاة، لا فيما دونه، لخطورته بدليل وجوب المواساة فيه، وعدم الاهتمام بما دونه.
أما التغليظ بالزمان والمكان: فقد اختلف فيه الفقهاء على رأيين (1):
1 -
فقال الحنابلة: إذا كان الحالف مسلماً، فيحلفه القاضي بالله تعالى من غير تغليظ، اكتفاء بما ورد في القرآن الكريم:{فآخران يقومان مقامهما، من الذين استحق عليهم الأوليان، فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما} [المائدة:107/ 5] ولم يذكر مكاناً ولا زمناً، ولا زيادة في اللفظ.
وقال الحنفية: إن شاء القاضي حلف الشخص من غير تغليظ، لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف ركانة بن عبد يزيد بالله عز وجل: ما أردت البتة، ثلاثاً؟ وإن شاء غلظ؛ لأن الشرع ورد بتغليظ اليمين في الجملة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم حلف ابن صوريا الأعور، وغلظ.
أما الكافر غير المسلم فتغلظ يمينه عند الحنابلة، وإن شاء القاضي عند الحنفية والشافعية وفي قول مرجوح عند المالكية، فإن كان الحالف يهودياً، أحلفه «بالله الذي أنزل التوراة على موسى» زاد الشافعية:«ونجاه من الغرق» وإن كان نصرانياً، أحلفه «بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى» وإن كان مجوسياً أو وثنياً أحلفه «بالله الذي خلقه وصوره» . وإن كان لهم مواضع يعظمونها ويتوقَّوْن أن يحلفوا فيها كاذبين، حلِّفوا فيها.
(1) المراجع السابقة.
2 -
وقال المالكية والشافعية: يجوز تغليظ اليمين بالزمان والمكان مطلقاً للمسلم وغير المسلم، ثم اختلفوا في التغليظ بالمكان، فقال الما لكية: تغلظ اليمين بالمكان في القسامة واللعان، ويحلف الحالف إن كان في المدينة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان في غير المدينة يحلف في مساجد الجماعات، ولا يشترط الحلف على المنبر في سائر المساجد، ويحلف قائماً.
وتغليظ اليمين بالزمان يكون باللعان والقسامة فقط دون غيرهما، فيكون بعد صلاة العصر.
وقال الشافعية: يحلف المسلم في مكة بين الركن والمقام، وفي المدينة عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي سائر البلدان في الجوامع عند المنبر ـ خلافاً للمالكية ـ وفي بيت المقدس عند الصخرة. وتغلظ في الزمان بالاستحلاف بعد العصر. وهذا هو الراجح لدي لقوة أدلتهم. ويندب عندهم تغليظ يمين المدعي (اليمين المردودة أو مع الشاهد واليمين) ويمين المدعى عليه وإن لم يطلب الخصم تغليظها فيما ليس بمال ولا يقصد به المال كنكاح وطلاق ولعان وقود وعتق وإيلاد ووصاية ووكالة، وتغلظ في مال يبلغ نصاب الزكاة.
واستدلوا على جواز التغليظ بالكتاب والسنة والآثار والقياس. أما الكتاب: فقوله تعالى: {تحبسونهما من بعد الصلاة، فيقسمان بالله} [المائدة:106/ 5] والمراد من بعد صلاة العصر، كما قال ابن عباس وجماعة من التابعين. وأما السنة: فقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحلف أحد على يمين آثمة عند منبري هذا، ولو على سواك أخضر، إلا تبوأ مقعدَه من النار، أو وجبت له النار» (1).
(1) رواه البيهقي ومالك وأحمد وأبو داود والنسائي عن جابر.