الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الأمصار والطواف بالليل (1) ومشاطرة الولاة والعمال أموالهم التي جمعوها بدون حق (2).
وأجيز لولي الأمر التدخل في الملكيات الخاصة لدفع الضرر أو لجلب مصلحة عامة كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر مالك النخل بقلع نخلة من بستان الأنصاري لإيذائه قائلاً له: «أنت مضار» (3)، وكما فعل عمر بالسماح لرجل يقال له الضحاك بن خليفة بإمرار خليج من الماء في أرض محمد بن مسلمة قائلاً له:«والله ليمرن به ولو على بطنك» (4).
3 - عمارة الأرض:
60 -
إن الله سبحانه استخلف البشر في الأرض بقصد عمارة الكون وإنمائه واستغلال كنوزه وثرواته، والناس في ذلك شركاء، والمسلمون ينفذون أمر الله ومقاصده، قال الله تعالى {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها} [هود:61/ 11] والاستعمار: معناه التمكين والتسلط، كما هو واضح من قوله سبحانه:{ولقد مكنَّاكم في الأرض، وجعلنا لكم فيها معايش قليلاً ما تشكرون} [الأعراف:10/ 7]. وقوله عز شأنه {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً} [البقرة:29/ 2]{وسخَّر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه} [الجاثية:13/ 45]{الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء} [البقرة:
(1) سيرة عمر بن الخطاب للأستاذ علي الطنطاوي وأخيه: 201/ 1، 309، السياسة الشرعية لابن تيمية: ص 141.
(2)
التلخيص الحبير: ص 254، السياسة الشرعية لابن تيمية ص 45 وما بعدها.
(3)
رواه محمد الباقر عن أبيه علي زين العابدين، وأخرجه أبو داود عن سمرة بن جندب (سنن أبي داود: 283/ 2، الأحكام السلطانية لأبي يعلى: ص 285).
(4)
الموطأ: 218/ 2 وما بعدها.
22/ 2]. {الذي جعل لكم الأرض مهداً، وسلك فيها سُبلاً، وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجاً من نبات شتى} [طه:53/ 20]{هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها، وكلوا من رزقه، وإليه النشور} [الملك:15/ 67].
واللام في (لكم) تفيد الاختصاص على جهة الانتفاع للمخاطبين، أي أن ذلك مختص بكم، مما يدل على أن الانتفاع بجميع مخلوقات الأرض، وما فيها من خيرات مأذون فيه، بل مطلوب شرعاً.
واعتبر الفقهاء تعلم أصول الحراثة والزراعة ونحوها مما تتم به المعايش التي بها قوام الدين والدنيا من فروض الكفاية (1)، لأن كل فرد من الأفراد عاجز عن القيام بكل ما يحتاج إليه (2). وخصصوا باباً معيناً للكلام عن (إحياء الموات) أو بتعبيرنا (استصلاح الأراضي المتروكة) كما فصلوا في بحث (الزكاة) أحكام المعادن الجامدة والسائلة والركاز، ووضع الإمام أبو يوسف كتابه (الخراج) لهارون الرشيد أبان فيه كيفية استثمار الأرض وطرق الري من الأنهار الكبرى وموارد بيت المال من خراج ونحوه (3).
(1) رد المحتار: 40/ 1 الطرق الحكمية لابن قيم ص 247، غاية المنتهى: 441/ 1، الشرح الكبير للدردير: 174/ 2.
(2)
سمع النبي صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه يقول: اللهم لا تحوجني إلى أحد من خلقك، فقال: لا تقل هكذا، ليس من أحد إلا وهو محتاج إلى الناس، قال: فكيف أقول؟ قال: قل: اللهم لاتحوجني إلى شرار خلقك. قلت: يا رسول الله ومن شر خلقه؟ قال: الذين إذا أعطوا أمنوا، وإذا منعوا عابوا. وسمع صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه يقول: اللهم إني أسألك الصبر. فقال: سألت الله البلاء، فسله العافية. وسمع الإمام أحمد بن حنبل رجلاً يقول: اللهم لاتحوجني إلى أحد من خلقك. فقال: هذا رجل تمنى الموت (مغني المحتاج: 213/ 4).
(3)
انظر فيه مثلاً: ص 91 - 102 و 109 وما بعدها.
وحض الإسلام عموماً على الضرب في الأرض (أي السفر التجاري) والسعي الحثيث في مناكبها، والتنقيب عن موارد الرزق في البر والبحر، والإنشاء والتعمير وتوفير أسباب المعيشة والتنافس المشروع في كسبها، والتسابق في الخيرات كلها دنيوية أم أخروية؛ لأن معنى استخلاف الله للبشر وخلافتهم عن الله في الأرض يتطلب إطاعة المستخلف إطاعة كاملة، ولأن السيطرة على الأرض بتمكين الله للبشرتقتضي استغلال كل أوجه الخير فيها من استنبات الزرع، وإحياء الضرع، وتشجير الأشجار، واستخراج المعادن والزيوت، واستثمار المناجم والمحاجر والمقالع وإقامة المساكن والمصانع والقرى والمدن حتى يعرف بكل ذلك ونحوه عظمة الله وقدرته لأنه هو مانح الحياة لكل الموجودات.
61 -
وذلك على النقيض تماماً من الاتجاه المادي القاتم الذي يوجه الناس نحو الشعور بألوهية الإنسان لسيطرته على الطبيعة ومواردها، ولتقدمه العلمي والتقني والفني، مما يؤدي إلى عبادة المادة ويورث الإنسانية كثيراً من القلاقل والاضطرابات، والعداوة والبغضاء والحروب المدمرة.
لذا فإن عمارة الأرض واستغلالها يتقيدان في الإسلام بإطاعة الله والاهتداء بهديه والامتناع عما نهى عنه، والاعتقاد بأن الناس جميعاً شركاء في منتجات الطبيعة المباحة، فكان لا بد لهم من التراحم والتعاون في العمل والنتاج (العطاء) بدون تخصيص، أو تمييز البشر في الجنس أو اللون أو العنصر بل والدين أيضاً.
ومن ثم فليس في الإسلام مجال للحقد أو الاستئثار أو الاستعمار بالمعنى الشائع اليوم، أو حجر الآخرين عن الانتفاع الحر بالأرض، لأن البشر هم خلق الله، وأحب خلق الله إلى الله أنفعهم لعياله (1). فلا معنى لاستغلال جنس من
(1) قال عليه الصلاة والسلام «الخلق كلهم عيال الله، فأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله» رواه البزار والطبراني (مجمع الزوائد: 191/ 8، الفتح الكبير) وهو ضعيف.