الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني ـ إن الله تعالى وصف الكفار بالكذب على الله وبالفسق، ولا شهادة لكاذب ولا فاسق، ومن كذب على الله، فهوأولى أن يكذب على مثله من إخوانه وأقرب، كما قال الشافعي.
الثالث ـ إن قبول شهادتهم يؤدي إلى إلزام القاضي بشهادتهم، ولا يجوز أن يلزم المسلم بشهادة الكافر.
الرابع ـ إن في قبول شهادتهم إكراماً لهم، ورفعاً لمنزلتهم وقدرهم، ورذيلة الكفر تحول دون إكرامهم.
والراجح لدي رأي الحنفية لقوة أدلتهم، ولأن الله لم يمنع قبول قول الكفار على المسلمين للحاجة، بنص القرآن، ولم يمنع ولاية بعضهم على بعض، والقاضي ملزم بالقضاء الحق عند ظهور الحجة الصادقة، وأما وصفهم بالكذب والفسق فهو بسبب ذات العقيدة لا لمجرد المعاملة، ولا يعد قبول شهادتهم إكراماً لكفرهم، فهذا من جملة المصالح التي لا غنى عنها.
ثانياً ـ شهادة غير المسلمين على المسلمين:
للفقهاء أيضاً رأيان في قبول شهادة غير المسلمين على المسلمين.
1 ً - فقال الجمهور غير الحنابلة: لا تقبل شهادتهم على المسلمين؛ لأن الشهادة ولاية، ولا ولاية للكافر على المسلم، لقوله تعالى:{ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً} [النساء:141/ 4].
2 ً - وأجازها الحنابلة في الوصية في السفر للضرورة إذا لم يوجد غيرهم، وكذا في كل ضرورة حضراً وسفراً، لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا شهادة
بينكم إذا حضر أحدَكم الموتُ حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم، أو آخران من غيركم، إن أنتم ضربتم في الأرض، فأصابتكم مصيبة الموت} [المائدة:106/ 5].
وصح عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: «هذا لمن مات، وعنده المسلمون فأمر الله أن يشهد في وصيته عدلين من المسلمين» ثم قال تعالى: {أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض} [المائدة:106/ 5] فهذا لمن مات، وليس عنده أحد من المسلمين، فأمر الله عز وجل أن يشهد رجلين من غير المسلمين. فإن ارتيب بشهادتهما، استحلفا بعد الصلاة بالله: لا نشتري بشهادتنا ثمناً، وقضى به ابن مسعود في زمن عثمان، وكذلك علي، وقضى به أبو موسى الأشعري في الكوفة وكثير من التابعين.
وعن سعيد بن المسيب: {أو آخران من غيركم} [المائدة:106/ 5] قال: «من أهل الكتاب» وفي رواية صحيحة عنه: «من غير أهل ملتكم» .
وصح عن شريح قال: «لا تجوز شهادة المشركين على المسلمين إلا في الوصية. ولا تجوز في الوصية إلا أن يكون مسافراً» .
وصح عن الشعبي: {أو آخران من غيركم} [المائدة:106/ 5] قال: «من اليهود والنصارى» .
وأما ادعاء نسخ هذه الآية ـ فيما روي عن زيد بن أسلم وغيره ـ فيرده ما صح عن عائشة ـ فيما يرويه جبير بن نفير ـ أنها قالت: هل تقرأ سورة المائدة؟ قلت: نعم، قالت: فإنها آخر سورة أنزلت، فما وجدتم فيها من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيهامن حرام فحرموه. فالحق أن الآية محكمة، وأن حكمها شرع دائم، وأن شهادة غير المسلمين جائزة مقبولة في الوصية إذا كان المسلم على سفر، ولم يجد أحداً من المسلمين.