الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم الملك وما يقتضيه من حقوق:
حكم الملك أو مقتضاه عند الحنفية: هو أن يثبت لصاحبه ولاية التصرف في الشيء المملوك بمطلق اختياره، دون أن يكون لأحد عليه حق الإجبار على التصرف إلا لضرورة، أو حق المنع من التصرف، وإن تضرر به إلا إذا تعلق به حق الغير، فيمنع عن التصرف مراعاة لحق الغير، ولا يكون لغير المالك شيء من حقوق التصرف في ملك غيره بدون إذنه أو رضاه إلا لضرورة.
وبناء عليه للمالك أن يتصرف في ملكه أي تصرف شاء، سواء أكان تصرفاً يتعدى ضرره إلى غيره، أم لا يتعدى، فله أن يبني في ملكه مرحاضاً أو حماماً أورحى أو تنوراً، وله أن يؤجر بناءه لحداد أو قصار، وله أن يحفر في ملكه بئراً أو بالوعة، وإن كان يتأذى به جاره، وليس لجاره أن يمنعه؛ لأن حق الملكية حق مطلق، ويتقيد هذا الحق عند وجود عارض من تعلق حق الآخرين به، لكن يجب أن يمتنع الإنسان عن كل ما يؤذي جاره ديانة، لقوله صلى الله عليه وسلم:«المؤمن من أمن جاره بوائقه» (1).
فلو تصرف المالك في ملكه تصرفاً أدى إلى أن يوهن بناء جاره أو سقوط حائط جاره، لا يضمن؛ لأنه لم يتعد على ملك الغير.
العلو والسفل:
وعلى هذا لو كان لأحد الجوار سفل، وللآخر علو عليه كطوابق المنازل الحديثة، فأراد صاحب السفل أن يفتح باباً أو نافذة، أو يحفر طاقاً، أو يدق وتداً على الحائط، أو يتصرف فيه تصرفاً لم يكن في القديم، من غير رضا صاحب العلو سواء أضر بالعلو، بأن ترتب عليه وَهْن الحائط أم لم يضرَّ به، فليس له ذلك عند أبي حنيفة؛ لأن حرمة التصرف في ملك الغير وحقوقه لا تتوقف على وقوع الضرر، بل هو حرام، سواء تضرر به أم لا.
(1) رواه الطبراني في الكبير والأوسط عن طلق بن علي بلفظ «ليس بالمؤمن: الذي لا يأمن جاره بوائقه» أي شره، وفيه أيوب بن عتبة ضعفه الجمهور، وهو صدوق كثير الخطأ، واعتبر السيوطي هذا الحديث حسناً (مجمع الزوائد: 169/ 8، الجامع الصغير: 135/ 2).
وقال الصاحبان: لصاحب السفل أن يفعل في ملكه ما يشاء إن لم يضر بصاحب العلو؛ لأن صاحب السفل يتصرف في ملك نفسه، فلا يمنع إلا لحق الغير، وحق الغير لا يمنع المالك من التصرف لذاته، وإنما لما يترتب عليه من إيقاع الضرر به، بدليل أن الإنسان لا يمنع من الاستظلال بجدار غيره، ومن الاصطلاء بنار غيره، لعدم تضرر المالك. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:«لا ضرر ولا ضرار» (1).
وإذا انهدم السفل والعلو: لم يجبر صاحب السفل على البناء؛ لأن الإنسان لا يجبر على عمارة ملك نفسه، ولكن يقال لصاحب العلو: إن شئت فابن السفل من مال نفسك، وضع عليه علوك، وارجع عليه بقيمته مبنياً، ثم امنع صاحب السفل عن الانتفاع بالسفل حتى يرد عليك قيمة البناء؛ لأن البناء، وإن كان تصرفاً في ملك الغير، لكن فيه ضرورة؛ لأنه لا يمكنه الانتفاع بملك نفسه إلا بالتصرف في ملك غيره. وأما رجوعه بقيمة البناء، فلأنه ملكه بإذن الشرع، فله ألا يمكن صاحب السفل من الانتفاع بملكه إلا بعد دفع قيمته.
أما إذا هدم صاحب السفل منزله، فانهدم الطابق العلوي، فيجبر على إعادته؛ لأنه أتلف حق صاحب العلو بنفسه.
ويجري هذا الخلاف في الحائط بين الدارين إذا انهدم، ولهما عليه جذوع، فإنه لا يجبر واحد منها على بنائه، ولكن إذا أبى أحدهما البناء، يقال للآخر: إن شئت فابن من مال نفسك، وضع خشبك عليه، وامنع صاحبك من الوضع والاستناد، حتى يرد عليك نصف قيمة البناء، أو نصف ما أنفقته.
فإن هدمه أحدهما، يجبر على عمارته (2).
(1) رواه مالك والشافعي مرسلاً عن عمر بن يحيى المازني عن أبيه، وهو عند أحمد وعبد الرزاق وابن ماجه والطبراني عن ابن عباس، ورواه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما مسنداً عن أبي سعيد الخدري وهو حديث حسن (المقاصد الحسنة: ص 468، مجمع الزوائد: 110/ 4، سبل السلام: 84/ 3، الإلمام: ص 363).
(2)
البدائع: 263/ 6 وما بعدها، الدر المختار: 372/ 4 وما بعدها، درر الحكام: 416/ 2 وما بعدها.