الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيء في يده، ويسمى في لغة الفقهاء: الخارج أو غير الحائز، وقد يتم التنازع بين الخارجين عن ذي اليد، أو بين ذوي اليد أنفسهم.
وقد تكون بينة كل من المتنازعين مؤرخة، أو إحداهما مؤرخة، والأخرى بدون تاريخ، أو أن تاريخ إحداهما أسبق من الأخرى.
تبحث هذه الافتراضات في نوعين: دعوى الملك المطلق ودعوى الملك المقيد.
النوع الأول ـ تعارض الدعويين مع تعارض البينتين في ملك مطلق:
نجد في هذا القسم احتمالات ثلاثة: وهي التعارض في الدعويين بين الخارج عن ذي اليد وذي اليد، والتعارض في الدعويين بين الخارجين عن ذي اليد، والتعارض في الدعويين بين ذوي اليد.
الأول ـ تعارض الدعويين بين الخارج وذي اليد:
إذا كانت الدعوى من الخارج أي (غير الحائز) على ذي اليد أي (الحائز) دعوى الملك، وأقام كل منهما بينة، فإما أن تكون البينتان غير مؤرختين، أو مؤرختين وتاريخهما سواء، أو تاريخ أحدهما أسبق من الآخر، أو أحدهما بتاريخ، والآخر من غير تاريخ.
ففي هذه الصور قال الحنفية والحنابلة في الجملة: تقدم بينة المدعي، أي الخارج إلا أن تكون بينة أحدهما أسبق تاريخاً من الأخرى، فتقدم عند أبي حنيفة وأبي يوسف، ولا تقبل بينة صاحب اليد في الملك المطلق؛ لأنها لا تفيد أكثر مما تفيد اليد؛ إذ أن ظاهر الملك ثابت له باليد فلم تثبت له شيئاً زائداً. والتفصيل فيما يأتي (1):
(1) المبسوط: 32/ 17، تكملة فتح القدير: 156/ 6 ومابعدها، البدائع: 225/ 6، 232، الدر المختار: 455/ 4، كتاب القدوري مع اللباب: 32/ 4، المغني: 275/ 9 ومابعدها.
1 -
إذا كانت الدعوى من الخارج على ذي اليد بدون تاريخ: فبينة المدعي وتسمى بينة الخارج أولى بالقبول عند الحنفية والحنابلة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه» (1) فجعل جنس البينة على المدعي، فلا يؤبه لبينة ذي اليد؛ لأنه ليس بمدع، فلا تكون البينة حجته (2). والدليل على أنه ليس بمدع عدم انطباق وصف المدعى عليه، لأن المدعي: هو من يخبرعما في يد غيره لنفسه. والموصوف بهذه الصفة هو الخارج، لا ذو اليد؛ لأنه يخبر عما في يد نفسه لنفسه، فلم يكن مدعياً، وإنما هو مدعى عليه، فلا تكون البينة حجة له، فتعد بينته لاغية.
ولأن بينة المدعي أكثر فائدة، فوجب تقديمها كتقديم بينة الجرح على التعديل، ودليل كثرة فائدتها: أنها تثبت شيئاً لم يكن، وبينة المنكر إنما تثبت أمراً ظاهراً تدل اليد عليه، فلم تكن مفيدة، أي أن بينته لا تفيد أكثر مما تفيد اليد، أي الحيازة فقط.
2 -
إذا كانت البينتان مؤرختين، وتاريخهما سواء: يقضى للمدعي الخارج؛ لأنه لم يثبت سبق ملك أحدهما؛ إذ أنه بطل اعتبار الوقتين للتعارض، فبقي الحال حال دعوى ملك مطلق، كالصورة الأولى.
3 -
إذا كان تاريخ أحدهما أسبق من الآخر: يقضى للأسبق وقتاً أيهما كان عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد. وروي في النوادر عن محمد أنه رجع عن هذا القول عند رجوعه من الرقة، وقال: لا تقبل من صاحب اليد بينة على وقت ولا غيره إلا في النتاج؛ لأنه لا قيمة لبينته إذ أنه مدعى عليه، والبينة حجة المدعي.
(1) رواه أحمد والشيخان وابن ماجه عن ابن عباس.
(2)
وبعبارة أخرى: هي أن الشرع قد جعل البينة في حيز المدعي واليمين في حيز المدعى عليه، فوجب ألا ينقلب الأمر، وهذا عندهم من باب العبادة.
والصحيح القول الأول وهو ظاهر الرواية؛ لأن بينة صاحب الوقت الأسبق أظهرت الملك له في وقت لا ينازعه فيه أحد، فيثبت له الحق في موضوع النزاع إلى أن يثبت الآخر سبباً لنقل الملكية له.
4 -
إذا أرخ أحدهما ولم يؤرخ الآخر: يقضى للخارج عند أبي حنيفة ومحمد؛ لأن الملك المطلق يحتمل التأخر والسبق، لجواز أن صاحب البينة المطلقة لو وقتت بينته، كان وقتها أسبق. فوقع الاحتمال في سبق الملك المؤقت، وإذا حصل الاحتمال في شيء سقط اعتباره، فيسقط اعتبار الوقت، وتبقى الدعوى دعوى ملك مطلق، فيقضى للخارج.
وقال أبو يوسف: يقضى لصاحب البينة المؤرخة؛ لأن بينة صاحب الوقت أظهرت الملك له في وقت معين خاص به، لا يعارضها فيه بينة مدعي الملك المطلق بيقين، بل تحتمل بينته المعارضة وعدمها، والمعارضة لا تثبت بالشك، فبقيت بينة صاحب التاريخ سالمة عن المعارضة، فيقضى له.
وقال المالكية والشافعية في هذه الصور (1): تقدم بينة صاحب اليد وتسمى بينة الداخل على الإطلاق؛ لأنهما استويا في إقامة البينة، فتعارضت البينتان، وترجحت بينة صاحب اليد بيده أي بحيازته، كترجيح أحد الحديثين المتعارضين بالقياس، فيقضى بالشيء لصاحب اليد، ولأن بينة المدعى عليه تفيد معنى زائداً على كون الشيء المدعى فيه موجوداً بيده.
ولأن جانب المدعى عليه أقوى، استصحاباً للأصل، فالأصل معه وهو بقاء ما كان على ما كان، ويمينه تقدم على يمين المدعي، فإذا تعارضت البينتان، وجب
(1) مغني المحتاج: 480/ 4، المهذب: 311/ 2.