الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالقضاء، فلا يصلح؛ لأنه ليس في معنى البينة، فلم يجز القضاء به؛ لأن البينة المعتبرة أن يسمع القاضي الشهود في ولايته، أما ما يعلمه قبل ولايته فهو بمنزلة ما يسمعه من الشهود قبل ولايته، وهو لا قيمة له.
والخلاصة: إن أبا حنيفة يقول: ما كان من حقوق الله كالحدود الخالصة له، لا يحكم فيه القاضي بعلمه؛ لأن حقوق الله مبنية على المساهلة والمسامحة، وأما حقوق الناس المدنية، فما علمه القاضي قبل ولايته، لم يحكم به، وما علمه في ولايته، حكم به (1). والمعتمد عند المتأخرين من الحنفية وهو المفتى به: عدم جواز قضاء القاضي بعلمه مطلقاً في زماننا لفساد قضاة الزمن (2).
وقال الشافعية: الأظهر أن القاضي يقضي بعلمه قبل ولايته أو في أثناء ولايته، أو في غير محل ولايته، سواء أكان في الواقعة بينة أم لا، إلا في حدود الله تعالى. وعلى هذا فيجوز للقاضي أن يقضي بعلمه في الأموال قطعاً، وفي القصاص وحد القذف على الأظهر؛ لأنه إذا حكم بما يفيد الظن وهو الشاهدان، فقضاؤه بالعلم أولى. وأما الحدود الخالصة لله كالزنا والسرقة والمحاربة وشرب المسكرات، فلا يقضي بعلمه فيها؛ لأنها تدرأ بالشبهات، ويندب سترها، لكن إن اعترف إنسان بموجب الحد في مجلس الحكم قضى فيه بعلمه (3)، لقوله صلى الله عليه وسلم:«فإن اعترفت فارجمها» .
2 - قضاء القاضي بكتاب قاض آخر إليه:
اتفق الفقهاء على أن القاضي له أن يقضي بكتاب قاض آخر إليه فيما ثبت
(1) المبسوط: 93/ 16، البدائع: 7/ 7، مختصر الطحاوي: ص 332.
(2)
الدر المختار ورد المحتار: 4 ص 369.
(3)
مغني المحتاج: 4 ص 398.
عنده في الحقوق المالية للحاجة إليه، فقد يكون لامرئ حق في غير بلده، ولا يمكنه إتيانه والمطالبة به إلا بكتاب القاضي بشرط أن يشهد شاهدان عدلان على أن الكتاب المرسل هو كتاب قاضٍ، وأن يشهد بثبوت الحكم عنده على نحو معين، وأجاز الإمام مالك أن يحكم القاضي بكتاب قاضٍ في الحدود والقصاص أيضاً (1).
ولكتاب القاضي إلى قاض آخر صورتان:
الأولى: كتابة الشهادة التي سمعها القاضي من الشهود إما مع تعديل الشهود وتزكيتهم أو بدون تعديل، ليبحث القاضي الآخر عن أحوال الشهود.
الثانية: كتابة صورة الحكم الذي حكم به على الشخص الغائب ويرسلها إلى القاضي الثاني لتنفيذ الحكم عليه.
وبما أن الحنفية لا يجيزون القضاء على الغائب كما سيأتي بيانه، فالصورة الثانية لتنفيذ الحكم. والأولى مقدمة لإصدار الحكم.
وقد اشترط علماء المذاهب في قبول كتاب القاضي شروطاً أكتفي بذكر شروط الحنفية منها وهي (2):
أولاً ـ البينة على أنه كتابه: فيشهد شاهدان رجلان أو رجل وامرأتان على أن
(1) بداية المجتهد: 2 ص 458، المغني: 9 ص 90، مغني المحتاج: 4 ص 452، المهذب: 2 ص 304، المبسوط: 16 ص 95، الميزان: 2 ص 188، الشرح الكبير للدردير: 4 ص 159، فتح القدير: 5 ص 277 وما بعدها، تبيين الحقائق: 241/ 4.
(2)
المبسوط، المرجع السابق، البدائع: 7 ص 7 وما بعدها، فتح القدير، المرجع السابق، اللباب شرح الكتاب للميداني: 4 ص 84 وما بعدها، مختصر الطحاوي: ص 330، درر الحكام: 2 ص 412 وما بعدها، تبيين الحقائق: 184/ 4، القوانين الفقهية: ص 297، الشرح الكبير: 159/ 4.
هذا كتاب فلان القاضي ببيان اسمه ونسبه؛ لأنه لا يعرف أنه كتابه بدون المذكور. ويحدد في الكتاب اسم المدعى عليه والشهود، والمدعى به وصفاته لتمييزه عن غيره. وهذا أمر طبيعي متفق عليه.
ثانياً ـ أن يكون الكتاب مختوماً، ويشهدوا على أن هذا ختمه لصيانته عن الخلل فيه. وأن تكون الكتابة ظاهرة مقروءة تفيد المعنى المراد وتؤدي المقصود من كتابة الشهادة أو كتابة الحكم، ليتمكن القاضي المكتوب له العمل بموجب الكتاب.
ثالثاً ـ أن يشهد الشاهدان بما في الكتاب: بأن يقولا: إنه قرأه عليهما مع الشهادة بالختم.
وهذا قول أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: يكفي أن يشهد الشاهدان بالكتاب والخاتم، ولا تشترط الشهادة بما في الكتاب؛ لأن المقصود من هذه الشهادة حصول العلم للقاضي المرسل إلىه بأن هذا كتاب فلان القاضي، ويتحقق المطلوب بما ذكر. وقال الطرفان: لا يحصل هذا المقصود إلا بالعلم بما فيه.
رابعاً ـ أن تكون هناك مسافة سفر القصر بين القاضي المرسل وبين المرسل إليه؛ لأن القضاء بكتاب القاضي أمر جوِّز للحاجة أو للضرورة؛ لأنه قضاء على غائب، ولا ضرورة فيما دون مسافة القصر.
خامساً ـ أن يكون موضوع الكتاب في الحقوق المدنية أو الشخصية كالديون والنكاح، وإثبات النسب، والمغصوبات، والأمانات والمضاربة، أو أن يكون في العقارات كالأراضي والدور؛ لأنها تقبل التحديد، وقيل: لا يقبل في المنقولات للحاجة إلى الإشارة إليها عند الدعوى والشهادة.
وفي رواية عن محمد: أنه يقبل في جميع المنقولات من الدواب والثياب