الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الارتباط بحدود جغرافية إقليمية، أورابطة قومية عنصرية. فكل من الدولتين تتوخى نشر فكرتها في أرجاء العالم، ولا مانع بالنسبة لمن يؤمن بتلك الفكرة أن يكون موالياً لدولة أخرى، أي أن هناك بالنسبة للشخص صاحب الفكرة ازدواجاً في الولاء.
المبحث الثالث ـ وظيفة دولة الإسلام
(1)
تمهيد: في تعريف وظيفة الدولة الإسلامية:
40 -
امتاز الإسلام عما كان سائداً في الجاهلية العربية بحمايته نوعين من المصالح اللذين بهما انتظام الملة والمدن، وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم لأجلهما، والإمام نائبه، فهو مسؤول عنهما (2).
لذلك تختلف وظيفة الدولة الإسلامية عن سائر الدول الدستورية البرلمانية في أن مهمتها الحفاظ على أمور الدنيا والدين، وأنه لا فصل بين الدين والدولة كما فعل أتباع الدين المسيحي (3)، وأن الخليفة أو الإمام كما أنه يلي سلطات التشريع والقضاء والتنفيذ وسائر الشؤون الدنيوية، فإن له أيضاً إمامة الصلاة وإمامة الحج والإذن بإقامة الشعائر في المساجد، والخطبة في الجمع والأعياد وغير هذا من الشؤون الدينية، باعتبار أن الغاية من إقامته أن يقوم بحراسة الدين وسياسة الدنيا (4).
(1) أكتفي هنا بذكر المبادئ العامة، وأحيل بالنسبة للتفاصيل على موضوعات في الموسوعة الفقهية: إمامة، حقوق الإنسان، الذميون، المستأمنون، ونحو ذلك من البحوث الدستورية والقضائية والاجتماعية.
(2)
حجة الله البالغة للدهلوي: 112/ 2، ط أولى.
(3)
قال السيد المسيح عليه السلام: (دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله).
(4)
الماوردي وابن خلدون، المرجعان الآتيان، السياسة الشرعية للأستاذ خلاف: ص 58 ومابعدها.
41 -
ويعرف هذا الواجب من تعاريف العلماء للخلافة، ومنها ما يأتي (1):
قال الدهلوي: الخلافة هي الرياسة العامة في التصدي لإقامة الدين بإحياء العلوم الدينية، وإقامة أركان الإسلام، والقيام بالجهاد وما يتعلق به من ترتيب الجيوش والفروض للمقاتلة، وإعطائهم من الفيء، والقيام بالقضاء، وإقامة الحدود، ورفع المظالم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم (2).
وقال في البحر الزخار: الإمامة: رياسة عامة لشخص مخصوص بحكم الشرع ليس فوقها يد (3).
وقال الماوردي: الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا (4).
وقال السعد التفتازاني في المقاصد: الإمامة: هي رياسة عامة في أمر الدين والدنيا خلافة عن النبي صلى الله عليه وسلم (5). وهذا فيما يبدو خير التعاريف.
وزاد فخر الدين الرازي قيداً آخر في التعريف، فقال: هي رياسة عامة في الدين والدنيا لشخص واحد من الأشخاص، وقال: هو احتراز عن كل الأمة إذا عزلوا الإمام لفسقه (6).
(1) ر: للتفصيل في الموسوعة الفقهية إمامة ـ الإمامة الكبرى.
(2)
نقلاً عن (إكليل الكرامة في تبيان مقاصد الإمامة) لصديق حسن خان ص 23.
(3)
ر: حـ 374/ 5.
(4)
الأحكام السلطانية: ص 3.
(5)
يلاحظ أن الخلافة والإمامة الكبرى وإمارة المؤمنين ألفاظ مترادفة بمعنى واحد (النظريات السياسية الإسلامية للدكتور ضياء الدين الريس: ص 92 - 103، ط الثانية).
(6)
المواقف: 345/ 8، ط المغربي سنة 1907، الخلافة لرشيد رضا: ص 10، السياسة الشرعية للشيخ محمد البنا: ص 14.
واعترض الإيجي على هذا التعريف بأنه قد ينطبق على مقام النبوة، فهي (رياسة عامة في هذه الأمور لشخص واحد) (1) وقال: الأولى أن يقال: (هي خلافة الرسول صلى الله عليه وسلم في إقامة الدين وحفظ حوزة الملة، بحيث يجب اتباعه على كافة الأمة)(2).
وذكر ابن خلدون: أن الخلافة هي (حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها)، إذ أن أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة: خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به (3).
وقال بعض العلماء المتأخرين: الخلافة هي الرياسة العظمى والولاية العامة الجامعة القائمة بحراسة الدين والدنيا (4).
وخلاصة المقال: إن وظيفة الدولة الإسلامية أو وظيفة الخليفة في الماضي أمران: إقامة الدين الإسلامي، وتنفيذ أحكامه، والقيام بسياسة الدولة في الحدود التي رسمها الإسلام. أو بعبارة أخرى: الوظيفة واحدة: هي إقامة الإسلام. والإسلام كما هو معروف دين ودولة في اصطلاح العصر.
(1) المواقف، المكان السابق.
(2)
الفائدة في هذا التعريف أنه بعد بالإمامة عن الناحية الشخصية، وعاد إلى وجهه نظر الماوردي، وهو لم يختلف عنه إلا في أنه وضع كلمة (إقامة) بدل (حراسة) الدين وربما كانت كلمة (إقامة) أقوى، لأنها تدل على التنفيذ لا مجرد الحفظ، إلا أنه لم يفصح في مسألة سياسية الدنيا (النظريات السياسية الإسلامية، المرجع السابق: ص 116).
(3)
مقدمة ابن خلدون: ص 191، ط التجارية.
(4)
التراتيب الإدارية للأستاذ عبد الحي الكتاني: 2/ 1، ط الأهلية بالرباط.