الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - البصر:
يشترط عند أبي حنيفة ومحمد والشافعية: أن يكون الشاهد مبصراً، فلا تقبل شهادة الأعمى؛ لأنه لا بد من معرفة المشهود له والإشارة إليه عند الشهادة، ولا يميز الأعمى بين الناس إلا بنغمة الصوت، وفيه شبهة؛ لأن الأصوات تتشابه. وتشدد الحنفية فمنعوا قبول شهادة الأعمى وإن كان بصيراً عند تحمل الشهادة.
وأجاز المالكية والحنابلةوأبو يوسف شهادة الأعمى إذا تيقن الصوت؛ لعموم الآيات الواردة في الشهادة، ولأنه رجل عدل مقبول الرواية، فقبلت شهادته كالبصير، ولأن السمع أحد الحواس التي يحصل بها اليقين، ولهذا أجاز الشافعية شهادة الأعمى فيما يثبت بالاستفاضة. كما أجازوا أن يكون شاهداً في الترجمة؛ لأنه يفسر ما سمعه بحضرة الحاكم، وسماعه كسماع البصير (1).
5 - النطق:
اشترط الحنفية والشافعية والحنابلة أن يكون الشاهد ناطقاً، فلا تقبل شهادة الأخرس، وإن فهمت إشارته؛ لأن الإشارة لا تعتبر في الشهادات؛ لأنها تتطلب اليقين، وإنما المطلوب التلفظ بالشهادة.
وأجاز المالكية قبول شهادة الأخرس إذا فهمت إشارته؛ لأنها تقوم مقام نطقه في طلاقه ونكاحه وظهاره، فكذلك في شهادته (2).
6 - العدالة:
اتفق العلماء على اشتراط العدالة في الشهود، لقوله تعالى:{ممن ترضون من الشهداء} [البقرة:282/ 2] وقوله سبحانه: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق:2/ 65] فلا تقبل شهادة الفاسق كالزاني والشارب
(1) المراجع السابقة، البدائع: ص 268، فتح القدير: ص 27، مغني المحتاج: ص 446، المهذب: 335/ 2، المغني: ص 189، الشرح الكبير للدردير: 167/ 4، اللباب: 60/ 4.
(2)
المغني: 110/ 9، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 168/ 4.
والسارق ونحوهم، وكذا مجهول الحال، وروي عن أبي يوسف: أن الفاسق إذا كان وجيهاً في الناس، ذا مروءة، تقبل شهادته؛ لأنه لا يستأجر لشهادة الزور لوجاهته، ويمتنع عن الكذب لمروءته. وقال جمهور الحنفية: لا تقبل شهادة الفاسق مطلقاً، إلا أن القاضي لو قضى بشهادة الفاسق نفذ قضاؤه، ويكون القاضي عاصياً.
والعدالة: لغة التوسط، وشرعاً: اجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر. والحقيقة أن اجتناب الكبائر كلها هو شرط لصحة الشهادة، وبعد توقيها يلاحظ الشأن الغالب، فمن كثرت معاصيه أثَّر ذلك في شهادته، ومن ندرت منه المعصية قبلت شهادته. وهذا هو حد العدالة المعتبرة، حتى لا يترتب على التشدد سد باب الشهادة وإماتة الحقوق.
وضابط عدالة الشاهد في مذهب الشافعية: أن يكون مجتنباً الكبائر، وغير مصر على الصغائر، وسليم السريرة أي العقيدة، ومأموناً عند الغضب، ومحافظاً على مروءة مثله.
واكتفى أبو حنيفة بظاهر العدالة في المسلم، ولا يسأل عن الشهود، حتى يطعن الخصم بها إلا في الحدود والقصاص، فإنه يسأل عن الشهود، وإن لم يطعن فيهم الخصوم، ودليله على الاكتفاء بظاهر العدالة قوله صلى الله عليه وسلم:«المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدوداً في قذف» (1) ومثله مروي عن عمر رضي الله عنه (2). وأما دليله على استثناء الحدود والقصاص، فهو أن القاضي يتحايل
(1) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ولفظه: «إلا محدوداً في فرية» (نصب الراية: 81/ 4).
(2)
رواه الدارقطني عن أبي المليح الهذلي، وهو في كتاب عمر المشهور إلى أبي موسى الأشعري (نصب الراية، المرجع السابق).
لإسقاطها عن المتهم، فيشترط فيها استقصاء معرفة حال الشهود؛ ولأنها تدرأ بالشبهات.
وقال الصاحبان والفتوى على قولهما: لا بد من أن يسأل القاضي عن الشهود في السر والعلانية في سائر الحقوق؛ لأن القضاء قائم على الحجة، وهي شهادة العدول، فلا بد من التعرف على العدالة، وفي ذلك صيانة للحكم القضائي عن النقض والإبطال بسبب الطعن في عدالة الشهود (1).
قال المتأخرون من الحنفية: هذا الاختلاف اختلاف عصر وزمان، لا اختلاف حجة وبرهان؛ لأن زمن أبي حنيفة كان زمن خير وصلاح؛ لأنه زمن التابعين، وشهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية، بخلاف زمان الصاحبين، قال عليه الصلاة والسلام:«خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم إن من بعدهم قوماً يشهدون ولا يُستشهدون، ويخونون ولايؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن» (2).
وقال فقهاء الحنفية: لا تقبل شهادة مُخنَّث، لفسقه، وهو الذي يفعل الرديء ويؤتى كالنساء. أما الذي في كلامه لين وفي أعضائه تكسر فهو مقبول الشهادة.
ولا تقبل شهادة نائحة في مصيبة غيرها بأجر، ولا مغنية، ولو لنفسها لحرمة رفع صوتها، خصوصاً مع الغناء، ولا شهادة مدمن الشرب لهواً، سواء أكان الشراب خمراً أم غيره لحرمة ما ذكر في الإسلام، ولا شهادة من يلعب بالطيور؛
(1) راجع المبسوط: 113/ 16، فتح القدير: 12/ 6 وما بعدها، البدائع: 268/ 6 وما بعدها، الدر المختار: 388/ 4، الكتاب مع اللباب: 57/ 4 وما بعدها، بداية المجتهد: 451/ 2، مغني المحتاج: 427/ 4، المغني: 165/ 9 وما بعدها.
(2)
رواه الشيخان وأحمد عن عمران بن حصين (نيل الأوطار: 296/ 8، سبل السلام: 126/ 4).
لأنه يورث غفلة، ولأنه قد يطلع على عورات النساء بصعود سطحه ليطير طيره، ولا شهادة من يغني للناس؛ لأنه يجمع الناس على ارتكاب كبيرة، ولا من يأتي كبيرة موجبة للحد كالزنا والسرقة ونحوها؛ لأنه يفسق، ولا من يدخل الحمام بغير إزار؛ لأن كشف العورة حرام إذا رأى الشخص غيره، ولا من يأكل الربا إذا كان مشهوراً به، ولا المقامر بالنرد (أي الزهر) والشطرنج؛ لأن كل ذلك من الكبائر، لكن الشطرنج عند الشافعي مكروه فقط، وليس كبيرة، إذا لم يكن قماراً.
ولا تقبل شهادة من يفعل الأفعال المستقبحة، كالبول على الطريق والأكل على الطريق؛ لأنه في عرف السابقين تارك للمروءة؛ ومثله لا يمتنع عن الكذب فيتهم. ولا تقبل شهادة من يظهر سب السلف كالصحابة والتابعين لظهور فسقه، بخلاف من يخفيه؛ لأنه فاسق مستور (1).
واتفق الفقهاء على أن الفاسق إذا تاب من فسقه، تقبل شهادته. واستثنى الحنفية المحدود في القذف، فإنه لا تقبل شهادته عندهم وإن تاب، خلافاً لبقية الفقهاء. ومنشأ الخلاف هو عود الاستثناء في قوله تعالى:{ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً، وأولئك هم الفاسقون، إلا الذين تابوا من بعد ذلك} [النور:4/ 24 - 5]. فقال الحنفية: لا تقبل شهادة المحدود في قذف وإن تاب، لقوله تعالى:{ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً} [النور:4/ 24] وأما الاستثناء فهو راجع عندهم إلى الجملة الأخيرة وحدها، أي إلى أقرب مذكور إليه.
وقال جمهور الفقهاء: تقبل شهادة المحدود في قذف بعد التوبة؛ لأن الاستثناء بعد الجمل المتعاطفة بالواو يعودإليها جميعاً إلا إذا خصص الحكم
(1) راجع الكتاب مختصر القدوري مع اللباب: 61/ 4 وما بعدها، فتح القدير: 34/ 6 وما بعدها.