الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبحانه: {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا} [الجن:15/ 72]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه الحاكم والبيهقي عن عبد الله بن أبي أوفى: «إن الله تعالى مع القاضي مالم يجر، فإذا جار، تبرأ الله منه وألزمه الشيطان» . وقال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه أصحاب السنة الأربعة والحاكم عن بُريدة: «القضاة ثلاثة، اثنان في النار وواحد في الجنة: رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل عرف الحق فجار في الحكم، فهو في النار» .
ولا وجود للإجراءات المعقدة في نظام المحاكمات الإسلامي، كما لا تأخير في إصدار الأحكام، وإنما يتميز نظام القضاء في الإسلام بالتعجيل.
هذه هي أصول المنهج الإسلامي في القضاء، لما طبقت كان القضاء في الدولة الإسلامية تاج عز، ومفخرة من مفاخر التاريخ، لأنه نظام يعتمد على العقيدة والدين والأخلاق وهو النظام الكفيل بتحقيق الأمن والاستقرار لأي مجتمع إنساني يريد السعادة والبقاء، ويفرض الهيبة والاحترام له في أنظار العالم. ولقد طبق هذا النظام خلال عشرات القرون من سنة (622 حتى سنة 1924) م، أي قرابة ثلاثة عشر قرناً من الزمان، وكان أبرز معالمه التسوية بين الإمام الحاكم وبين آحاد الرعية في مجلس القضاء، والتزام العدالة حتى مع الأعداء في السلم والحرب والمواطنة والتعايش الديني بين المسلمين وغيرهم في ظل الدولة الإسلامية الرشيدة.
رسالة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في القضاء:
ينبغي على كل قاض أن يحفظ الرسالة العمرية في القضاء؛ لأنها تضع له منهاج التقاضي، وتحدد نظرة الإسلام إلى القضاء، وأوضاع المتقاضين أمام القاضي وآداب
القاضي، وقواعد سير الدعوى، وضوابط الشهادة في سبيل الوصول إلى إصدار الحكم وتنفيذه، وهذا نص الرسالة (1):
- بسم الله الرحمن الرحيم
- من عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس (2).
- سلام عليك، فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو
أما بعد:
1 -
فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متّبعة.
2 -
فافهم إذا أُدلي إليك.
3 -
فإنه لاينفع تكلم بحق لا نفاد له.
4 -
آسِ بين الناس في مجلسك وفي وجهك وقضائك، حتى لايطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك.
5 -
البينة على المدعي، واليمين على من أنكر.
6 -
والصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراماً، أو حرَّم حلالاً.
7 -
ومن ادعى حقاً غائباً أو بيِّنةً، فاضرب له أمداً ينتهي إليه، فإن بيَّنه أعطيته بحق، وإن أعجزه ذلك استحللت عليه القضية فإن ذلك هو أبلغ للعذر، وأجلى للعماء.
(1) انظر أعلام الموقعين لابن قيم الجوزية: 85/ 1 ومابعدها، وانظر الشرح النفيس لها في هذا الكتاب، تبصرة الحكام: 19/ 1.
(2)
هو أبو موسى الأشعري رضي الله عنه.
8 -
ولا يمنعنك قضاء قضيت فيه اليوم، فراجعت فيه رأيك، فهديت فيه لرشدك، أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم، لايبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل.
9 -
والمسلمون عدول بعضهم على بعض، إلا مجرَّباً عليه شهادة زور، أو مجلوداً في حد، أو ظنيناً في ولاء أو قرابة.
10 -
فإن الله تعالى تولى من العباد السرائر، وستر عليهم الحدود، إلا بالبيِّنات والأيمان.
11 -
ثم الفهمَ الفهمَ، فيما أدلي إليك، مما ورد عليك، مما ليس في قرآن ولا سنة، ثم قايس الأمور عند ذلك، واعرف الأمثال، ثم اعمد فيما ترى إلى أحبها إلى الله، وأشبهها بالحق.
12 -
وإياك والغضب، والقلق، والضجر، والتأذي بالناس، والتنكرعند الخصومة أو الخصوم.
13 -
فإن القضاء في مواطن الحق مما يوجب الله به الأجر، ويحسن به الذِّكْر.
14 -
فمن خلصت نيته في الحق، ولو على نفسه، كفاه الله مابينه وبين الناس، ومن تزيّن بما ليس في نفسه شانه الله، فإن الله لايقبل من العباد إلا ما كان خالصاً.
والسلام عليكم ورحمة الله.