الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
أن يوجد أمر ظاهر معروف يصلح أساساً للاعتماد عليه.
2 -
أن توجد صلة مؤشرة بين الأمر الظاهر والأمر الخفي.
وبمقدار قوة هذه الصلة تنقسم القرائن قسمين: قرائن قوية، وقرائن ضعيفة. وللفقهاء والقضاة دور ملحوظ في استنباط نتائج معينة من القرائن. ومن القرائن الفقهية: اعتبار ما يصلح للرجال من متاع البيت عند اختلاف الزوجين في ملكيته هو للرجل، كالعمامة والسيف، وما يصلح للنساء فقط كالحلي للمرأة بشهادة الظاهر، وملاحظة العرف والعادة (1).
و
من القرائن القضائية:
الحكم بالشيء لمن كان في يده، باعتبار أن وضع اليد قرينة على الملك بحسب الظاهر.
وإذا كانت القرينة قطعية تبلغ درجة اليقين، مثل الحكم على الشخص بأنه قاتل إذا رئي مدهوشاً ملطخاً بالدم، ومعه سكين بجوار مضرج بدمائه في مكان، فإنها تعد وحدها بينة نهائية كافية للقضاء.
أما إذا كانت القرينة غير قطعية، ولكنها ظنية أغلبية، كالقرائن العرفية، أو المستنبطة من وقائع الدعوى وتصرفات الأطراف المتخاصمين، فإنها تعد دليلاً مرجحاً لجانب أحد الخصوم، متى اقتنع بها القاضي، ولم يوجد دليل سواها، أو لم يثبت خلافها بطريق أقوى.
ولا يحكم عند جمهور الفقهاء بهذه القرائن في الحدود؛ لأنها تدرأ بالشبهات ولا في القصاص إلا في القسامة، للاحتياط في موضوع الدماء وإزهاق النفوس. ويحكم بها في نطاق المعاملات المالية والأحوال الشخصية عند عدم وجود بينة في إثبات الحقوق الناشئة عنها.
(1) الكتاب مع اللباب: 50/ 4.
إلا أن المالكية (1): أثبتوا شرب الخمر بالرائحة، والزنا بالحمل، ووافقهم ابن القيم في إثبات الزنا بالحمل، وفصل الحنابلة (2) فقالوا: تحد الحامل بالزنا، وزوجها بعيد عنها إذا لم تدّع شبهة، ولا يثبت الزنا بحمل المرأة وهي خلية لا زوج لها.
قال ابن القيم (3): نظر جمهور الفقهاء كمالك وأحمد وأبي حنيفة إلى القرائن الظاهرة والظن الغالب الملتحق بالقطع في اختصاص كل واحد منها بما يصلح له، ورأوا أن الدعوى تترجح بما هو دون ذلك بكثير، كاليد والبراءة والنكول، واليمين المردودة، والشاهد واليمين، والرجل والمرأتين، فيثير ذلك ظناً تترجح به الدعوى. ومعلوم أن الظن الحاصل ههنا أقوى بمراتب كثيرة من الظن الحاصل بتلك الأشياء، وهذا مما لا يمكن جحده ودفعه.
وقد نصب الله سبحانه على الحق الموجود والمشروع علامات وأمارات تدل عليه وتبينه. ونصب على الإيمان والنفاق علامات وأدلة. واعتبر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده العلامات في الأحكام، وجعلوها مبينة لها، كما اعتبر العلامات في اللقطة، وجعل صفة الواصف لها آية وعلامة على صدقه، وأنها له.
وجعل الصحابة الحبل علامة وآية على الزنا، فحدوا به المرأة، وإن لم تقر، ولم يشهد عليها أربعة، بل جعلوا الحبل أصدق من الشهادة، وجعلوا رائحة الخمر وقيئه لها آية وعلامة على شربها، بمنزلة الإقرار والشاهدين.
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم نحر كفار قريش يوم بدر عشر جزائر أوتسعاً، آية وعلامة
(1) القوانين الفقهية: ص 356.
(2)
مطالب أولي النهى: 193/ 6.
(3)
الطرق الحكمية في السياسة الشرعية: ص 97 وما بعدها، 214 وما بعدها.
على كونهم ما بين الألف والتسع مئة، واعتبر العلامة في السيف وظهور أثر الدم به في الحكم بالسلَب لأحد المتداعيين. ونزَّل الأثر منزلة بينة. واعتبر إنبات الشعر حول القبُل في البلوغ، وجعله آية وعلامة له. فكان يقتل من الأسرى يوم قريظة من وجدت فيه تلك العلامة، ويستبقي من لم تكن فيه، وجعل الحيض علامة على براءة الرحم من الحمل. واعتبر العلامة في الدم الذي تراه المرأة ويشتبه عليها: هل هو حيض أو استحاضة؟ واعتبر العلامة فيه بوقته ولونه، وحكم بكونه حيضاً بناء على ذلك.
وفرق الحنابلة بين الركاز واللقطة بالعلامات: فقالوا: الركاز: ما دفنته الجاهلية، ويعرف برؤية علاماتهم عليه، كأسماء ملوكهم وصورهم وصلُبهم. وأما ما عليه علامات المسلمين كأسمائهم، أو كقرآن ونحوه فهو لقطة؛ لأنه ملك مسلم لم يعلم زواله عنه. وإن كان على بعضه علامة الإسلام، وعلى بعضه علامة الكفار هو لقطة؛ لأن الظاهر أنه صار لمسلم دفنه في الأرض. وما ليس عليه علامة فهو لقطة، تغليباً لحكم الإسلام.